19‏/4‏/2015
الأحد, أبريل 19, 2015

الإعلام الدولي - المحاضرة الأولي الإذاعات الموجهة د. خالد صلاح الدين

الإعلام الدولي
المحاضرة الاولي 
د. خالد صلاح

الإذاعات الموجهة

تعد الإذاعة الموجهة من أدوات الإعلام الدولي ولعبت دوراً كبيراً ومؤثراً بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وفي فترة ما بين الحربين وتراجع دورها إلى حد كبير على أثر ظهور وتطور أدوات أخرى مثل التليفزيون والفضائيات والإنترنت.

وكان اختراع الراديو في العشرينيات بداية لمرحلة جديدة من مراحل توظيف الكلمة لأغراض الدعاية خاصة السياسية، ولذلك استخدمت الإذاعة في عمليات الدعاية ونشر الشائعات وغسيل المخ بصورة فعالة وكبيرة وذلك في الداخل والخارج، ولذلك تسابقت دول العالم لتطوير إذاعاتها في الداخل والخارج , ولذلك اهتمت بـ :




- توجيه إذاعات خارج حدودها.

- متابعة كل ما تذيعه الإذاعات الأخرى وذلك بإنشاء أجهزة الاستماع السياسي لرصد ما تقدمه تلك الإذاعات.

وكانت الدول العظمى هي أول من اهتم بالإذاعات الموجهة نظراً لاهتمامها بفرض سيطرتها على مسرح السياسة الدولية وخاصة بعد الموجة الاستعمارية التي احتلت بها شعوباً من مختلف الثقافات، وواجهت هذه الدول مشكلات متعددة بسبب ظهور القوميات الوطنية ومناداتها بالحرية والاستقلال أو بسبب الاعتراض على سياسات المستعمر العنصرية أساساً، والتي تم تنفيذها في بعض الدول مثل جنوب إفريقيا، حيث شكا الملونين من التفرقة العنصرية وطالبوا بإنهائها.

ولذلك رأت هذه الدول العظمى ضرورة توحيد إذاعات لمخاطبة الشعوب داخل مستعمراتها باسم حكومات الدول المستعمرة، وكذلك لمخاطبة رعاياها المقيمين في المستعمرات.

وكانت هولندا هي الرائدة في هذا المجال، إذ بدأت برنامجاً موجهاً إلى مستعمراتها في جزر الهند الشرقية عام 1927، وما إن حل عام 1929 حتى كانت هناك خدمة إذاعية منتظمة باللغة الهولندية موجهة إلى المستوطنين الهولنديين في تلك المستعمرات، ثم تبعتها العديد من الدول الأخرى مثل بريطانيا إذ قامت هيئة الإذاعة البريطانية BBC عام 1929 تجاربها على الموجة القصيرة FM، إلا أن المشروع صادفته بعض العقبات المادية فلم يظهر للنور إلا عام 1932، وبدأت معها خدمة إذاعية منتظمة باللغة الإنجليزية فيما وراء البحار.


أما فرنسا فقد افتتحت أول خدمة إذاعية موجهة لمستعمراتها عام 1931.

ومع نجاح الإذاعات الموجهة من الدول الاستعمارية الكبرى وسطوة تأثيرها، لم يعد الأمر قاصراً على تلك الدول صاحبة المستعمرات بل امتد ليشمل الدول التي ليس لها مستعمرات، إذ اهتمت هذه الدول بمخاطبة رعاياها في مناطق بعيدة مثل سويسرا وتشيكوسلوفاكيا.

وازداد الاهتمام بالإذاعات الموجهة في فترة بين الحربين، وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية عام 1939، كانت هناك 25 دولة تقدم خدمات إذاعية موجهة ودخلت ألمانيا معركة شرسة عبر الأثير مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) وذلك لاستمالة الرأي العام العالمي لدول المحور في دعاية أجاد صياغتها تنفيذها وزير الدعاية النازي جوبلز، وما إن انتهت الحرب العالمية حتى بلغ عدد الإذاعات 55 من جميع دول العالم.

وازداد العدد بصورة كبيرة مع بداية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (سابقاً) ودخل الطرفان في صراع أيديولوجي حاد، فتطورت الإذاعات الموجهة وفقاً لذلك وركزت على النواحي الأيديولوجية واتجه كل من المعسكرين إلى نشر مبادئه ومعتقداته ليزيد من دائرة نفوذه.

وواصلت الدول اهتمامها بالإذاعات الموجهة لأسباب مختلفة ومتباينة، وبسبب العديد من العوامل السياسية والاقتصادية الدولية , وأصبحت الإذاعة بنوعيها القومي والموجه مظهراً من مظاهر السياحة والاستقلال واستكمال الشكل السياسي للدولة المعاصرة، ويصل عدد محطات الإذاعة الموجهة اليوم أكثر من 150 محطة عالمية تذيع برامجها لمدى تزيد على 24 ألف ساعة كل أسبوع.

وقد أدى نجاح الإذاعات الموجهة في جذب أعداد كبيرة من المستمعين إلى قيام العديد من الدول بفرض إجراءات مختلفة من الحظر على تلك الإذاعات وبأشكال وأساليب مختلفة مثل حرمان المواطنين من أجهزة الراديو القادرة على استقبال الإذاعة الموجهة أو قصرها على الأجهزة السلكية أو التشويش على هذه الإذاعات.. الخ.

مثال: (BBC) أثناء فترة عبد الناصر.
ورغم كل هذه المعوقات والإجراءات إلا أنها عجزت عن حجب الرسالة الإعلامية الإذاعية للدول الكبرى، وأكثر من ذلك فقد أثبتت الدراسات أنه كلما زادت شدة إجراءات الحظر والتشويش زاد عملياً معدل الاستماع للإذاعات المحظورة؛ وكثر تداول ما تذيعه من أخبار وتعليقات، بل أن هذه المواد كثيراً ما تأخذ شكل الشائعات المدمرة فتصبح أشد خطورة من كونها مواد إذاعية عادية.


 أنماط الإذاعات الموجهة

ارتبطت نشأة الإذاعات الموجهة وتطورها بالصراع بكافة أشكاله سياسياً ودينياً وتجارياً .. الخ وتحدد الجهة المشرفة على الإذاعات الموجهة الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها والإستراتيجية البرامجية التي تضعها لتحقيق تلك الأهداف.

وفي إطار ذلك اتخذت هذه الإذاعات أنماطاً وأشكالاً متعددة كان العامل الأساسي في التفرقة بينها هو جهة الإشراف ومدى قدرة الإذاعة على الإعلان عن نفسها بشكل مباشر.

ويمكن التفريق بين عدة أنماط وهي:
‌أ) الإذاعات الموجهة بصفة رسمية:
وهي معلومة المصدر والجهة وتعلن عن هويتها بوضوح وهوية الدولة التي تشرف عليها و تمولها، وتنقسم إلى:

1- إذاعات ناطقة باسم الدولة:
وهو من أقدم الأشكال التي عرفها العمل الإذاعي الموجهة، وتسعى إلى تحقيق أهداف الجهة المشرفة عليها، وهذه الإذاعات تقوم بالدعاية المكشوفة والعلنية لأهداف سياسية ودعائية، ولا نكاد نجد دولة في عالم اليوم ليس لها إذاعات خارج الحدود حتى من بين الدول الفقيرة أو النامية، فمن بين الدول العشر الأولى في مجال الإذاعات الموجهة من حيث ساعات الإرسال نجد أربع دول نامية وهي: كوريا الشمالية، تايوان وألبانيا ومصر.

ولا يقتصر استخدام هذا الشكل على الدعاية السياسية فحسب وإنما يأخذ بعضها طابعاً دينياً أو تجاريا. وبطبيعة الحال فإن الدول الموجهة لتلك الإذاعات تتدخل في مضمونها، وإن ادعت بعض الحكومات أحياناً عدم ملكيتها أو تبعيتها للحكومة، إلا أن المتابع لبرامجها يجد أنها تترجم سياسة الدولة الباثة وتحقيق أهدافها، فعندما أحس الاتحاد السوفيتي بفشل إذاعة موسكو وخدماتها الموجهة إلى أوروبا الغربية نظراً للصفة الرسمية أنشأ عام 1964 محطة دولية جديدة باسم "راديو السلام والتقدم" وادعى أنها منفصلة عن الحكومة مثل الـ BBC، ولئن كانت الحكومة السوفيتية صادقة في هذا الزعم فإن مالكي المحطة على علاقة وثيقة بالحكومة السوفيتية.

2- الإذاعات الرسمية التابعة للهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية:
وهو نمط يكون الإشراف فيه ليس لدول بعينها بل لهيئات ومنظمات عامة، مثل "راديو الأمم المتحدة" الذي كان يغطي نشاطات المنظمة الدولية بأقسامها المختلفة بصورة صادقة وباستخدام خمس عشرة لغة عالمية إلا أنه توقف مؤخراً بسبب ضعف الميزانية وأصبح يبث فقط على شبكة الإنترنت.

ويدخل في إطار هذا النمط الإذاعات التي تبثها بعض المنظمات الدينية المسيحية بغرض التنصير، وتقدم خدمات إذاعية بلغات أجنبية لمخاطبة الشعوب ببرامج ومواد مسيحية. وتعتمد تلك الإذاعات على التبرعات والعطايا والهبات التي يقدمها الأفراد والهيئات المختلفة، وأحياناً تقف وراءها الدول بصورة مستترة. وفي عام 1988 قامت لجنة مسلمي إفريقيا (مقرها الكويت) بشراء إذاعة في سيراليون لتكون نواة لأول إذاعة للقرآن الكريم في منطقة غرب إفريقيا وتبث إرسالها لمدة أربع ساعات يومياً بثلاثة لغات، ويصل إرسالها إلى 16 دولة إفريقية وتهدف إلى خدمة المسلمين في تلك الدول وتوعيتهم بدينهم.

‌ب) الإذاعات السرية:
وأهم ما يميزها أنها توجد بصفة غير رسمية وتكون مجهولة المصدر، وهي غير شرعية تعمل على ترددات إذاعية غير مصرح لها بالعمل عليها؛ ومن ثم يصعب حصرها والسيطرة عليها ويرتبط ظهور تلك الإذاعات بالأزمات والصراعات السياسية والثورات ضد الأنظمة القائمة أو في حالات الحرب النفسية بين الدول، وتشرف عليها عادة أجهزة المخابرات لإسقاط أنظمة الحكم في الدول المستهدفة مستخدمة في ذلك المعارضين. وفي إطار ذلك نذكر ما حدث بعد ثورة يوليو 1952 تضافرت جهود الدول الاستعمارية الكبرى (بريطانيا / أمريكا) لإجهاض الثورة وإسقاط نظام الحكم.

‌ج) إذاعات القرصنة:
ويجمع بينها وبين الإذاعات السرية رباط أساسي هو أن كلاً منهما مجهول المصدر والجهة، إلا أن ما يميز إذاعات القرصنة هو أنها تعمل لتحقيق أهداف تجارية للجهات المشرفة عليها، وتعمل إذاعات القرصنة بصفة غير شرعية من خلال بث برامجها من فوق السفن الراسية خارج المياه الإقليمية للدول أو المناطق المستهدفة، ومن أبرز هذه الإذاعات اليوم إذاعة "راديو كارولينا" و "راديو لازر" ، وهما محطتان تجاريتان تبثان برامجها باللغة الإنجليزية إلى الدول الأوروبية من خارج المياه الإقليمية للساحل الإنجليزي وتقدم الإعلانات والموسيقى إلى جانب بعض النشرات الإخبارية.

 التخطيط للإذاعات الموجهة 

إن إنشاء إذاعة موجهة ناجحة ليست أمراً هيناً وميسوراً، لأن المفروض أن هذه الإذاعات تتوجه لمخاطبة جماهير أجنبية، وهو ما يتطلب أن تلقى قبولاً. وإذا كان التخطيط لوسائل الإعلام على المستوى المحلي أمراً ميسوراً إلى حد ما، فإن الأمر مختلف تماماً حين يتعلق بالإذاعات الموجهة التي تعمل على المستوى الدولي، تلك الإذاعات تخاطب جمهوراً أجنبياً غريباً عنها أو في بيئة مختلفة، ويقاس نجاحها بمدى قدرتها على النفاذ إلى الجمهور المستهدف والتأثير فيه وفق أهداف محددة ومخطط لها بدقة مسبقاً.

ويخضع هذا التخطيط لعدة أسس تصاغ في ضوئها الرسالة الإعلامية وهي:
1) تحديد الجمهور المستهدف:
والتعرف عليهم هو أهم مفاتيح النجاح لأي وسيلة إعلامية، أعرف جمهورك، خاصة بالنسبة للإذاعات الموجهة لأن جمهورها غريب لا تربطه بالعاملين بالإذاعة روابط ثقافية وفكرية ووجدانية مشتركة.

ولذلك تهتم هذه الإذاعات بإجراء بحوث الاستماع وتهتم باقتراحاتهم وتعدل بناء عليها من برامجها وأساليب تقديمها، ونظراً لأن هذه الأبحاث مكلفة ماديا فإن اعتماد بعض الإذاعات القصيرة يكون بالأساس على بعض الأدوات الأخرى للقياس واسترشاد بما يصلها من خطابات المستمعين، وهو ما لا يمكن اعتباره مؤشراً صحيحاً على شعبية الإذاعة ونجاحها.



2) تحديد اللغة التي سيتم بها البث:
لما كانت هذه الإذاعات تتوجه لمستمعين في مناطق مختلفة، فإن اختيار اللغة الملائمة لمخاطبة تلك المناطق تظل عائقاً رئيسياً أمام تلك الإذاعات. وتزداد المشكلة حينما تتوجه الإذاعات إلى مناطق بعيدة يتحدث أبناؤها العديد من اللغات واللهجات المختلفة، ويكون التساؤل عن أي اللغات تبدأ بها، فمثلاً إفريقيا تمثل بعداً أساسياً في الاهتمامات المصرية ولكن تعدد اللغات واللهجات Slangs كان عبئاً كبيراً على الإذاعات المصرية الموجهة حيث توجه مصر إذاعات لإفريقيا بأكثر من إحدى عشر لغة مختلفة، كما أن لكل لغة تعبيراتها ومصطلحاتها ومعانيها الدلالية مما ينجم عنها اختلافات عديدة نتيجة للتباين والاختلاف الدلالي Semantic referenlcial.

(مثال: Table it) .. وتتغلب بعض الدول على ذلك من خلال استخدام مذيعين ومقدمي برامج من أبناء الدول التي توجه إليها إرسالها؛ إلا أن ذلك يتطلب اعتمادات مالية ضخمة.

3) تحديد ساعات الإرسال والتوقيف المناسب:
لابد من دراسة أفضل فترات الاستماع لدى الجمهور وذلك لتختار أفضل الأوقات التي يمكن بث الرسالة خلالها. ويراعى في ذلك فروق التوقيت بين الدول الباثة والمناطق المستهدفة. أما بالنسبة لساعات الإرسال فيصدر بها قرار فوقي يقوم به السلطات المشرفة على الإذاعة أياً كانت. وقد أثبتت التجارب وجود علاقة طردية بين تدهور العلاقات السياسية بين الدول المختلفة وارتفاع ساعات الإرسال للإذاعة الموجهة فيما بينهما؛ فالدول الصديقة والحليفة لا توجه إذاعاتها إلى بعضها البعض، وفي عام 1968 أوقفت الـ BBC إرسالها الموجه باللغة العبرية؛ وقدمت تفسيرات منها أن الإسرائيليين يرفضون الاستماع إلى الإذاعات الموجة إليهم بالعبرية، و أن معظمهم ينتمون إلى أصول أوروبية ويجيدون اللغات، وعلق بريطاني مسئول بقوله: إنه لا توجد مصالح لبريطانيا في إسرائيل تستدعي أن تكون لها إذاعة موجهة.

4) اختيار القائم بالاتصال:
وغالباً ما يتم اختيار أفراد من الدول المستهدفة وذلك لتحقيق مشاركة وجدانية بين الجمهور والإذاعة، وكانت الإذاعة الموجهة من بريطانيا سباقة إلى استخدام مذيعين ومقدمي برامج من أبناء الدول التي توجه إليها إرسالها، كما استخدمت الإذاعة اليابانية عدداً من أسرى الحرب من دول الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية وذلك لإعداد برامجها الموجهة وأخضعتهم لرقابة صارمة.

ويساعد هذا الأسلوب على زيادة درجة مصداقية الإذاعة وذلك لأن المصدر الذي يشترك مع المتلقي في الاتجاهات والآراء يصبح أكثر مصداقية لديه.

ولكن لابد من مراعاة أن يكون القائم بالاتصال من العاملين في مجال العمل الإذاعي ومن المتخصصين كما تفعل الدول الكبرى التي تستقطب المتخصصين من ذوي الخبرات الإذاعية السابقة وتعد لهم دورات تدريبية مكثفة بل إن كثيرا منهم من كبار الإذاعيين في بلدانهم بما يضمن أكبر قدر من النجاح لبرامجها (مثل مونت كارلو وBBC). بينما الدول النامية تستخدم مذيعين من أبناء الدول المستهدفة ولكنهم يفتقرون إلى الخبرة الإذاعية؛ لأن معظمهم من طلاب المنح الدراسية في جامعات الدول صاحبة الإذاعة أو من أبناء الجاليات الأجنبية المقيمة فيها، مما ينعكس سلبياً على مدى تأثير تلك الإذاعات.



5) تحديد مضمون البرامج:
تتطلب عملية إعداد خريطة البرامج لأية إذاعة موجهة دقة متناهية وخبرة كبيرة، ولا يقتصر الأمر على ما تقدمه من برامج ومواد بل الأهم توزيع تلك البرامج على الخريطة الإذاعية، حيث أن أذواق المستمعين واستعداداتهم الذهنية للتلقي تختلف من فترة لأخرى. وقبل أن نضع الإذاعة خريطة برامجها لابد أن يكون واضحاً أمامها دوافع الجمهور للاستماع إليها حتى تستطيع تلبيتها بما يضمن قاعدة شعبية جماهيرية لها. خاصة أن المستمع يسعى دائماً لتغطية ما ينقصه في إذاعاته المحلية، وهو ما يفسر ارتفاع معدلات الاستماع للإذاعات الأجنبية في أوقات الحروب والأزمات؛ حيث لا تقوى بعض الإذاعات المحلية على تقديم حقائق الأحداث لسبب أو لآخر؛ وكلما زادت إجراءات الرقابة على وسائل الإعلام الوطنية زاد معها الإقبال على الإذاعات الموجهة. وتلعب الإذاعات الموجهة على هذا الوتر الحساس ولذلك تغدقه بالمواد والبرامج التي لا يجد لها مثيلاً في وسائل إعلامه المحلية، وتحدثه بصراحة عن أوضاع بلاده أكثر عشرات المرات مما تقدمه وسائل إعلامه المحلية، وحتى وقت قريب كانت إذاعتا راديو الحرية Radio Liberty وأوربا الحرة Radio free Europe الموجهتان من الولايات المتحدة لمخاطبة السوفيت (سابقاً قبل انهيار الاتحاد السوفيتي) تحظيان بمعدلات استماع عالية، كما لجأت إلى تقديم بعض نماذج من الشعر والقصص والمقالات والمؤلفات لكتاب سوفيت من أولئك الذين تحرم السلطات السوفيتية نشر إنتاجهم الأدبي.

ومن الأمور التي يجب مراعاتها بدقة عند التخطيط للإذاعات الموجهة ألا تكون الإذاعة بوقاً للدعاية المباشرة للدول أو الجهة المباشرة، فتوجه البرامج الخاصة بإنجازاتها وجوانب التقدم فيها دون أن تركز على ما يهم المستمعين وما يدور في بلادهم من تطورات وأحداث. وهو ما كان يعد أكبر أسباب ضعف انتشار الإذاعات الموجهة من دول الكتلة الشرقية والتي غلب عليها الطابع الرسمي والدعائي بشكل منفر وكبير. في المقابل نجد أن إذاعة صوت إسرائيل الموجهة بالعربية تولي اهتماماً كبيراً بإذاعة الأخبار العربية بصورة أكبر بكثير مما تقدمه من أخبار إسرائيلية.

6) مراعاة عناصر المنافسة الأخرى:
يجب أن يراعي التخطيط أنهم يواجهون منافسة عديدة جادة من وسائل مناظرة وجديدة، وأن الجمهور لا ينتظر ظهورهم على الساحة بفارغ الصبر؛ فلقد أصبحت الإذاعات الموجهة تمثل ساحة حرب حقيقية بين الدول المختلفة، ولن تنجح الإذاعة الموجهة إلا بمراعاة جهود وسائل الإعلام الأخرى المحلية والأجنبية التي تنافسها في الوصول إلى نفس الجمهور وفي نفس الوقت. فقد كانت الإذاعات الأمريكية الموجهة تسعى أول ما تسعى إلى محاصرة جهود السوفيت لنشر أيديولوجيتهم وبسط نفوذهم في العالم، كما أنشأ البريطانيون إذاعاتهم الموجهة باللغة العربية عام 1938 لمحاصرة الجهود الدعائية للألمان والإيطاليين في المنطقة العربية.

أما لدينا في العالم الجنوبي الفقير فكثيراً ما يثور تساؤل حول حدود دور وفعالية هذه الإذاعات بما تملكه من إمكانيات فنية وبشرية متواضعة هل تستطيع أن تنافس وسائل الإعلام التي تحاصر المواطن الأوروبي والأمريكي صباح مساء ؟

7) مراعاة عوامل الجذب للإذاعة:
وهو من العوامل الأساسية التي يجب أن تبذل الدول النامية جهداً مضاعفاً فيه لتثبيت أقدامها وحفر مكانها على خريطة الإعلام الموجهة، وليس هذا بالأمر الهين؛ لأن عوامل الطرد قد تكون عقبة أخطر إذ تحمل المستمعين إلى الابتعاد عن الإذاعة وعدم الاستماع إليها. وكان التشويش من أوائل العوامل التي استخدمتها الدول المختلفة لمحاصرة جهود الإذاعات المعادية، وقد استخدمت الإذاعات الموجهة أساليب متعددة للتغلب على التشويش ومنها:

- زيادة قوة المحطة الموجهة باستخدام ترددات إذاعية أقوى.

- بث الإرسال الإذاعي على الموجات القصيرة والمتوسطة في نفس الوقت.

- إنشاء محطات تقوية على حدود الدول أو المناطق المستهدفة.

- بث الإرسال
على تردد قريب جداً من التردد الذي يذيع عليه إذاعات الدول المستهدفة، بحيث تضيع إذاعة تلك الدولة إذا ما حاولت التشويش على هذا الإرسال وقد استخدام الأمريكيون هذا الأسلوب في بث إذاعاتهم الموجهة للاتحاد السوفيتي.

- إعادة إذاعة البرامج الموجهة في فترات زمنية متقاربة، حيث تعيد برامجها المقصودة كل خمس أو عشر دقائق حتى تفوت على الدولة التي تقوم بالتشويش فرصة القيام بتشويش انتقائي.

- استخدام نوعية وأساليب مختلفة لتطوير الصوت المستخدم في البث يكون من شأنها تقوية الإشارة أو استخدام الإرسال بالشفرة في حالات الطوارئ للتغلب على التشويش.

وإذا نجحت الإذاعة الموجهة في اختراقات التشويش الفني كعامل طرد Mechanical رئيسي يكون عليها أن تخلق لنفسها الشخصية المميزة، وذلك بالأساليب الإذاعية المتطورة، وتقديم المواد المحببة التي تجذب الجمهور إليها. ومن عوامل الجذب التي تسعى إليها الإذاعات الموجهة ما يلي:
‌أ) البعد عن الأسلوب الدعائي المباشر:
فيجب عليها إخفاء صفتها الدعائية حتى لا يكشفها الجمهور فينفر منها، وتلجأ الإذاعات الموجهة إلى مختلف الحيل والأساليب في توجيه مادتها الدعائية ووصفها في أكثر القوالب البرامجية فنية وجاذبية.

‌ب) استخدام الموسيقى وبرامج المنوعات:
وتعد من أكثر القوالب الإذاعية شعبية ونجاحاً لدى المستمعين في جميع أنحاء العالم لاسيما بين الشباب، وهو أسلوب قديم عرفته الإذاعات الموجهة منذ وقت مبكر. وكانت الإذاعة الألمانية الموجهة الموسيقى لضمان تجاوب المستمع مع ما تقدمه من البرامج، وفي ذلك مقولة شهيرة لجوبلز وزير الدعاية الألماني فهو يقول: "يمكننا أن نبدأ ببتهوفن لننتهي بهتلر"، وصوت إسرائيل تخصص ساعات طويلة من إرسالها طوال اليوم لتقديم الموسيقى والأغنيات العربية وبرنامج "ما يطلبه المستمعون " بشكل مكثف.

‌ج) تقديم البرامج التي يشارك فيها جمهور المستمعين:
وهو عامل مهم من عوامل ربط المستمع بإذاعة وتلجأ الإذاعات الموجهة إلى هذا الأسلوب في جذب جماهيرها مستخدمة عدة نوعيات من البرامج منها ما يطلبه المستمعون، كذلك البرامج التي تحيي المستمعين وأصدقائهم وهو أسلوب قديم استخدمته الإذاعات الألمانية الموجهة حين أنتجت برنامجاً إذاعياً بعنوان "تحية للمستمع" ويقوم على الاحتفال بأعياد الميلاد والزواج والأقارب في ألمانيا إلى ذويهم في الخارج والعكس..

وقد كانت هذه الرسائل لا تزال وسيلة من وسائل تعرف الإذاعة على حجم من يستمعون إليها ومؤشراً على شعبيتها. وكذلك برامج المسابقات الإذاعية وبرامج الأسئلة والأجوبة وبرامج ركن الهواة.

‌د) تقديم برامج تعليم اللغات: وهو من عوامل الجذب لأن قطاع كبير من الجمهور يستمع للإذاعات الموجهة من منطلق حرصه على تعلم اللغات الأجنبية، وتحفل الإذاعات الموجهة باللغة العربية من الدول الأوربية بالعديد من برامج تعليم اللغات الأجنبية وتلقى قبولاً جماهيرياً واسعاً لدى المستمعين العرب، وتشكل برامج تعليم اللغة الإنجليزية 9% من حجم ساعات الإرسال الموجهة من هيئة الإذاعة البريطانية.

مع تحيات فريق عمل مدونة مستر إعلام 

هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق

افضل 10 مواضيع