إشكالية العلاقة بين
الصحافة والسلطة في المجتمعات العربية
تمثل العلاقة بين الصحافة والسلطة واحدة من
أهم الإشكاليات في المجتمعات المعاصرة، خصوصاً بعد الثورة المعرفية وتكنولوجيا
الإتصال والمعلومات، فقد أضافت تلك الثورة أهمية مضاعفة علي موقع وسائل الإعلام
داخل المجتمعات ومنها الصحافة حيث أصبحت تشغل موقعاً مركزياً في الخطط والسياسات
التي تستهدف إعادة بناء المجتمعات المعاصرة، وربما يبرز ذلك بشكل واضح في
المجتمعات المتقدمة.
تجدر الإشارة إلى أن إعلام أى مجتمع يمثل
إنعكاساً لأيديولوجية أو "الفكر السياسى والإقتصادي والإجتماعى والثقافى
والدينى" الذى يتبناه هذا المجتمع خلال فترة زمنية معينة.
وتزداد حدة الجدل حول إشكالية العلاقة بين
السلطة والصحافة في المجتمعات العربية والتي تختلف عن المجتمعات الغربية من حيث
نظم الحكم فيها والأنظمة الثقافية
والإتصالية والإعلامية السائدة والتي تمثل إنعكاساً لوضعية خاصة بهذه
المجتمعات.
خصوصية العلاقة بين الصحافة والسلطة في المجتمعات
العربية:
تنطلق خصوصية إشكالية العلاقة بين الصحافة والسلطة في المجتمعات العربية من
خلال تساؤل أساسي يتركز حول موقع الصحافة من السلطة بمعنى هل الصحافة أداة من أدوات السلطة لتحقيق
أهدافها وتوجهاتها، أم هى بمثابة أداة تواصل بين أنظمة الحكم والشعوب؟ وما هي طبيعة هذا التواصل هل هو تواصل رأسى من السلطة إلي الشعب فقط، وهل
نشأت الصحافة في رعاية السلطة وبقرارات منها؟ وهل تسهم ثورة تكنولوجية الإتصال في
تمرد الصحافة علي تلك الوضعية لتصبح بالفعل واحدة من السلطات المجتمعية؟
ومن المهم هنا الإعتراف بعدة حقائق تتعلق
بالسياسات الإتصالية العربية وهي:
- تشابة السياسات الإتصالية في
المجتمعات العربية في كثير من جوانبها مما
يجعل إمكانية الحديث عنها "كإشكالية عربية" أمراً مقبولاً، فعلي
الرغم من الخصوصية التي يتمتع بها كل مجتمع فإن ثمة سمات عامة تشترك فيها هذه
السياسات أدت إلي تشابة بعض الأوضاع الإعلامية عربياً مما يؤدي بالضرورة إلي
تشابة الإشكاليات القائمة ومنها العلاقة بين الصحافة والسلطة.
- ظلت السياسات الإتصالية بغير إندماج
في سياسات التنمية العربية ولم تمثل الأولوية المناسبة رغم الإدراك العربي لأهمية الإعلام التنموي كما لم تتحول هذه
السياسات إلي خطط تستهدف تحقيق طموحات المجتمعات العربية.
- تفتقر السياسات الإتصالية بالدول
العربية إلي البناء المعلوماتي والوثائقى مما
يؤدي إلي سياسات عشوائية.
- تتسم السياسات الإتصالية بعدم
التنسيق مع غيرها من السياسات المجتمعية التي تشكل مخرجاتها مضموناً
إتصالياً، مما يجعل الصحافة كغيرها من وسائل الإعلام تعتمد
علي سياسة "رد الفعل" وهو ما يفسر غلبة الطابع الدفاعي عن
مضامينها.
- هذا التشابة في السياسات الإتصالية العربية أدي إلي تشابه إشكالية العلاقة
بين السلطة والصحافة، والدليل علي ذلك ما تعاني منه الصحافة في البلاد
العربية من أعمال المصادرة وفرض الرقابة وتقييد الحريات وسن التشريعات
المقيدة للممارسة الصحفية وحرية الإبداع وأمانة الكلمة.
جوانب إشكالية العلاقة بين السلطة والصحافة في الدول
العربية:
- الصحافة العربية قد تكون الوحيدة
المنفردة في العالم التي لم تمارس الحرية بالصورة التي يتحدث عنها المفكرون
والمنظرون فالصحف العربية الأولي لم تكن صحفاً خاصة ولكنها
كانت مطبوعات حكومية تحت رقابة الحكومات العربية، ومن ثم فهي قليلاً ما تطرح
التساؤلات المتعلقة بأنظمة الحكم وسياساتها والتي غالباً ما تندرج تحت بند
المحظورات وهذه خصوصية في الإشكالية القائمة في علاقة الصحافة بالسلطة.
- التناقض الدائم في مفهوم العلاقة بين
الصحافة والسلطة فالكثير من الأنظمة العربية تنادي بالليبرالية
الإقتصادية والخصخصة لكنها لا تمارس الليبرالية السياسية، فتضع قيوداً بيروقراطية علي حرية تشكيل الأحزاب السياسية وتقيد
إصدار الصحف، وتصر علي ملكية الصحف المسماة بالقومية، وتتحكم في تدفق
المعلومات وهذا الأمر ينعكس علي الصحافة ودورها ورسالتها في المجتمع.
- تحتكر السلطة السياسية في البلاد
العربية المؤسسات والأنشطة الصحفية والإعلامية، وإن أعطتها مسميات مختلفة، ويمثل هذا الإحتكار السلطوي النموذج أو
الظاهرة الأكثر شيوعاً في عالمنا العربي، وهو النظام الذي تحرص فيه الحكومات
العربية علي أن تقتصر ملكية المؤسسات الإعلامية والصحفية عليها، وأن تتحكم في
منح تراخيص العمل بالصحافة وإصدار الصحف، وهذا الإحتكار السطلوي يضفي خصوصية
علي إشكالية العلاقة بين السلطة والصحافة، فعلي من يحصل علي إمتياز العمل
الصحفي أو الإصدار تأييد النظام الحاكم، كما يكون إستمرار الصحف المملوكة
للأفراد رهناً برغبة السلطة.
- تمثل تبعية الصحف ووسائل الإعلام
بشكل عام للسلطة السياسية في المجتمعات العربية أحد الجوانب الرئيسية التي
تتحدد في ظلها ملامح العلاقة بين الصحافة والسلطة، وبالتالي الممارسات الصحفية، فقد
أصبحت هذه التبعية هي العامل المحدد لنوعية المعايير التي تحكم أداء المؤسسات
الصحفية، حيث تزداد صلاحية المادة للنشر، كلما تزاديدت قدرتها علي تحقيق
الأهداف العامة للسلطة السياسية.
- أدت ظاهرة الإحتكار السلطوي، وتبعية
الصحف للأنظمة في المجتمعات العربية إلي تأثيرات سلبية علي الأداء الصحفي، فلم تعد أغلب الصحف تتسع إلا
لوجهات النظر الرسمية وتنطوي علي إتجاه واحد لسريان الرسالة من السلطة إلي
الجماهير، وإذا وجدت الرسالة من الجماهير للسلطة متنفساً فعادة ما تتعرض
للتعديلات أو الحذف أو الإضافة كي تصل في النهاية بالصورة التي ترضي عنها
السلطة.
- أصبحت مهمة الصحافة في الدول العربية التعبئة
والحشد لخدمة أهداف واتجاهات الأنظمة السياسية، وتنفيذ الدور المرسوم لها
مسبقاً في فترة ما.
- ومن جوانب الإشكالية في تلك العلاقة
أنها ضيقت فرص التواصل بين الصحفي وبين الرأي العام بسائر قواه وتياراته، للدرجة التي أصبح الصحفيون متهمين بالإنعزالية واللامبالاة، وذلك
بسبب القيود المفروضة عليهم من قبل السلطة، مما يؤدي لحالة من الإنفصام بين
الصحافة والرأي العام.
خاتمة:
في ظل الثورة التكنولوجية والتطور الهائل في مجال الاتصالات والمعلومات
لابد من إعادة النظر في جوانب إشكالية العلاقة بين السلطة والصحافة في الدول
العربية وأن تعيد السلطة نظرتها لموقع الصحافة في المجتمع وأن تدرك أن ثورة
التكنولوجية قد أسقطت كثيراً من الأقنعة التي تسترت خلفها زمناً طويلاً، كما أن
الصحافة مطالبة بأن تراجع مواقفها وتعترف بأن بعض هذه الصحف تحتاج للمراجعة
والنقد.
القوانين التي يمكن
في ضوئها تحديد جوانب إشكالية العلاقة بين الصحافة والسلطة:
1. أن هناك إرتباطاً وثيقاً بين وجود سلطة
مطلقة في مجتمع ما وبين قيام الإعلام في هذا المجتمع بدور الأداة التي تبرر وجود
هذه السلطة وتدعيم شرعيتها ضد خصومها ومنافسيها وبذلك يتحول الإعلام إلي دعاية.
2. إذا كان الإعلام السائد في المجتمع هو
إعلام السلطة فلابد من أن يوجد في الوقت ذاته إعلام مناوئ للسلطة القائمة.
3.
إن
تعدد القوي في مجتمع ما لا يجعل الإعلام أداه في يد السلطة الحاكمة أو سلطة وحيدة
وإنما أداة السلطة متعددة ويمتد دوره لمراقبة السلطة الحاكمة.
4. هناك علاقة وثيقة بين نمو التعددية
السياسية في المجتمع الديمقراطي وبين تزايد استقلال وسائل الإعلام عن السلطة، الأمر الذي يفضي إلي أن يصبح الإعلام سلطة مستقلة قائمة بذاتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالتوفيق،،،،،،
Mamdouh
Hakim
0 التعليقات:
إرسال تعليق