16‏/6‏/2015
الثلاثاء, يونيو 16, 2015

الإعلام الدولي - المحاضرة السادسة: تقييم آداء القنوات الفضائية العربية لدكتور خالد صلاح الدين

الإعلام الدولي 
المحاضرة السادسة
د.خالد صلاح الدين

 أنماط البث للقنوات الفضائية العربية: 

وتنقسم إلى قنوات تقدم خدمات مجانية – وإن كانت تعيش على الإعلان- وأخرى مدفوعة الأجر:

وقد أدى وجود القنوات المشفرة التي تقدم خدماتها بأجر إلى ظهور وانتشار ظاهرة الاحتكار للأعمال والبرامج والأحداث المختلفة مما أدى إلى ارتفاع أسعارها، ومن أمثلة ذلك احتكار ART sport للمباريات والدوريات العالمية وكأس العالم فضلاً عن احتكار بعض القنوات للأفلام السينمائية التي تعرف بميزة العرض الأول. 




تقييم أداء القنوات الفضائية العربية:
يشبه كثير من المنظرين والمثقفين العرب أن حالة استخدام العرب للأقمار الصناعية المختلفة كحالة وضع العربة أمام الحصان بدلاً من أن يقف الحصان أولاً من أجل أن يقوم هو يجر العربة، التي كان يفترض أن تطور الجهات المختلفة المستفيدة من تقنية هذا القمر خدماتها وأشكال البرامجية وتواكبها مع متطلبات مجتمعها قبل أن تبدأ في بث برامجها وتقديم خدماتها دون دراسة مستقبلية.

فالمتابع للكثير من القنوات الفضائية يلاحظ أنه لا توجد فلسفة محددة تحكم أداء عملها أو أهدافاً إستراتيجية تسعى إلى تحقيقها؛ بالرغم من عشرات الأهداف المتشابهة التي تحددها كل فضائية منهجاً لعملها، لكن التنفيذ شيء آخر، حتى أن بعضها لا يقوى على ملء ساعات إرسالها إلا بإنتاج مستورد لا يعبر عن هويتها ولا يعكس ثقافة المجتمعات التي تمثلها.

 الجوانب الإيجابية في القنوات الفضائية العربية:
1- كان القمر العربي ثم المصري بعده من المكاسب التي تحققت في ظل ظروف اشتد فيها التنافس على الحيز الفضائي للأقمار الصناعية، حيث أنهما اعتبرا من المشروعات السباقة في مجال الاستفادة من هذا الجانب.

2- كما أن العربسات لا يتميز بأنه سباق فحسب بل أيضاً يربط 22 دولة عربية ذات سمات وخصائص مشتركة.

3- أتاحت الفضائيات التي قدمها عصر البث المباشر أن يطلع الجمهور العربي على نماذج أخرى مخالفة لواقع مجتمعه الحالي من حيث الديمقراطية ومساحة الحرية واحترام حقوق الإنسان وحق التعبير.. الخ.

4- إن القدرات التقنية التي وفرها البث المباشر عبر الأقمار الصناعي أجبر الإعلام العربي الرسمي أخيراً على قبول مبدأ الإعلام المرئي الخاص، فانطلقت القنوات الفضائية الخاصة جنباً إلى جنب مع القنوات الحكومية، الأمر الذي انعكس بعده فوائد لصالح المشاهد العربي، وأدى ذلك إلى تحقيق عدة فوائد وكان لها انعكاسات كثيرة، 

خاصة القنوات الخاصة إذ أنها قامت بدور كبير في الحفاظ على الهوية العربية، وقامت بدور قومي فاق ما تقوم به القنوات العربية الحكومية:

- إن القنوات الخاصة حركت المياه الراكدة في ميدان العمل التليفزيوني الحكومي والتي استشعرت خطراً يتهددها من جراء انصراف الجماهير العربية عنها، فراحت تخفف من سيطرتها الرقابية على ما تقدمه من برامج وتسمح بهامش من حرية التعبير، ليس احتراماً للحرية في حد ذاتها، وإنما للحفاظ على مشاهديها.

- إن تواجد القنوات الفضائية الخاصة أنعش صناعة التليفزيون والسينما، فتسابق المستثمرون العرب في إنشاء دور الإنتاج و الأستوديوهات لتلبية الاحتياجات المتزايدة لتلك القنوات مما انعكس إيجابياً على مستوى الإنتاج البرامجي.

- إن القنوات الخاصة حققت ما عجزت عنه كل الحكومات والمنظمات العربية والإسلامية طوال تاريخها، وذلك عندما أطلقت شبكة ART عام 1998 قناة (إقرأ) لتكون أول قناة إسلامية تبث عبر الأقمار الصناعية تحمل الرؤى الإسلامية للعرب والمسلين في كافة أنحاء العالم.

- إن بعضاً من القنوات الفضائية الخاصة تبنت مواقف سياسية وإنسانية من منظور قومي لم تستطع القنوات الحكومية ولا الحكومات العربية التي تقف وراءها تبينها، فمثلاً عام 93 تبنى تليفزيون الشرق الأوسط MBC برنامجاً متكاملاً لجمع التبرعات لصالح مسلمي البوسنة والهرسك. (جمع 17 مليون دولار).

- إن القنوات الفضائية الخاصة كانت أكثر ذكاء ومقدرة من القنوات الفضائية الحكومية في دراسة مدى جواها الاقتصادية والاهتمام بدراسة جمهورها واحتياجاته مما حقق لها جماهيرية هائلة.

- أن معظم القنوات العربية الخاصة جعلت نفسها في بداية إنشائها بمنأى عن الخلافات والصراعات السياسية، فلم تقدم برامج أو مواد ذات بعد سياسي إلا أن التطورات التي شهدتها المنطقة العربية دفعت القطاع الخاص إلى التخلي عن هذا التحفظ، فانطلقت عدة قنوات إخبارية متخصصة وحققت نجاحات هائلة بسبب معالجتها العديد من القضايا والموضوعات بعيداً عن المواقف المتحفظة للحكومات العربية وإعلامها الرسمي.

5- تراعي الخدمة البرامجية لقلة من القنوات الفضائية الخاصة مدى مناسبة المضمون المقدم لكل أفراد العائلة بإتباع نظام الإشارات R4 المضمون لا يصلح إلا للكبار فقط الذي يبرمج التليفزيون على أثرها، مثلما تفعل الأوربيت.

6- تشهد القنوات العربية خاصة المتخصصة في مجال الخدمة الإخبارية تنافساً وصراعاً ملحوظاً على كافة الأصعدة بما سيكون في صالح الجمهور العربي.

7- كان لتدفق المعلومات عبر الفضائيات العربية تأثيراً ملحوظاً في تنامي الرأي العام العربي وتعبئة الشارع من المحيط إلى الخليج بشعور واحد حول ما يجري من أحداث في فلسطين أو العراق.

8- أتاحت بعض الفضائيات العربية توفير أساليب التعلم عن بعد والتعليم المفتوح والكبار.. الخ.

9- أتاحت الفضائيات العربية للجمهور العربي فرصة الإطلاع على ثقافة ولهجات وتراث أعمال الدول العربية بمختلف مشاريعها إضافة إلى إمكانية التفاعل مع الحضارات والثقافات العربية المتعددة.

10- أسهم تعدد القنوات الفضائية العربية الفرص الكافية لظهور كادر إعلامي وقتي جديد من الشاب العربي، يعقد عليه الأمل في تطوير الإعلام العربي بكل مرافقه.

11- كانت الفضائيات العربية الهدية الأغلى للمواطن العربي المغترب سواء المهاجر أو المهجر أو المنتقل لفترة قد تطول أو تقتصر، مما أدى إلى ربطهم بالوطن الأم ونقل الموروث والعادات والتقاليد والقيم الإسلامية إلى أبناء هذه الجاليات.

 الجوانب السلبية في القنوات الفضائية العربية:
إن إنشاء القنوات الفضائية العربية جاء تقليداً ومحاكاة لما هو سائد في العالم، ورد فعل متسرع للتواجد المكثف للقنوات الفضائية الأجنبية، مما جعل لها سلبيات كثيرة.

1) السلبيات على مستوى الإدارة والتخطيط:
- لم تأخذ الفضائيات العربية نصيبها من التخطيط ودراسة الجدوى وطبيعة الأهداف وحاجات الجمهور، ومن ثم لا يجد المشاهد فلسفة محددة تحكم أداء عملها أو أهدافاً إستراتيجية تسعى إلى تحقيقها، وذلك رغم ما تكلفته من ملايين!! ولم تهتم بإجراء بحوث مشاهدين أو أوكلت مهمة إجرائها لبعض المؤسسات ذات الطابع التجاري الذي احترف القائمون عليها أساليب إرضاء الزبون.

- عدم وجود إستراتيجية ثابتة من وراء إطلاق هذه القنوات، وليس أدل على ذلك من لجوء عدد كبير من هذه القنوات إلى تقديم نفس البرامج والمواد التي تبثها المحطات الأرضية المحلية في الوقت الذي تخاطب فيه جمهوراً مختلفاً في الرؤى والاهتمامات والأولويات.

- إن عدد القنوات الفضائية العربية لا يتلاءم في كثير من الأحيان مع حجم الدول المالكة لها ودورها على مسرح السياسة الدولية، فدولة الإمارات أطلقت منظومة قنوات فضائية قد تصل إلى عشر قنوات، كذلك الكويت والبحرين أطلقت أكثر من 4 قنوات فضائية دفعة واحدة!! ودولة كموريتانيا والسودان أطلقت فضائيات في الوقت الذي لا يغطي إرسالها التليفزيون الأرضي كامل حدود الدولة!

2) السلبيات على مستوى الخدمة البرامجية:
- معظم القنوات الفضائية العربية لا تقوى عل ملء ساعات إرسالها إلا بإنتاج مستورد لا يعبر عن هويتها ولا يعكس ثقافة المجتمعات التي تمثلها، وهكذا أصبحت هذه القنوات مجرد تواجد عربي على الساحة الفضائية ليس أكثر. وباستثناء الفضائية المصرية والسورية فإن جميع الفضائيات لا تستطيع ملء ساعات إرسالها بإنتاجها المحلي.

- إن تزايد عدد القنوات وعجزها عن ملء إرسالها بمواد من إنتاجها سيفتح الباب على مصراعيه للسطو على الإنتاج السينمائي والتليفزيوني للقنوات الأخرى.. شركات تقوم بالقرصنة مما يستعدي سن القوانين والتشريعات الجديدة التي تحمي حقوق المؤلفين في ضوء سيطرة القرصنة العلنية.

- تبالغ كثير من القنوات العربية الفضائية في عدد ساعات البث التي توجهها بما لا يتناسب مع قدراتها وإمكانياتها الإنتاجية التي لا تلبي سوى ربع حاجة تلك القنوات، ومن هنا تلجأ بعض القنوات إلى إعادة بث المواد والبرامج القديمة، كما يلجأ البعض الآخر إلى الاعتماد على ما يمكن تسميته (إعلام السوق) وهي مجموعة من البرامج رخيصة التكاليف والمحتوى وتعتمد على استضافة أحد الضيوف من المشاهير وإمطاره بالعديد من الأسئلة البلهاء. (فترات مفتوحة).

- وما ينطبق على الحكومية ينطبق على الفضائيات الخاصة وخاصة التي لا تملك إمكانيات ضخمة، حيث إن إزدياد عدد القنوات الخاصة وامتداد إرسالها لم يصاحبه تطور مماثل في مجال الإنتاج البرامجي مما أوقعها فيما وقعت فيه القنوات الفضائية الحكومية؛ مما يدفعها إلى التكرار أو الاعتماد على البرامج السريعة رخيصة التكلفة والمحتوى.

- رغم نجاح وانتشار القنوات الفضائية الخاصة فإنه يمكن أن نطلق على الكثير منها قناة البرنامج الواحد، إذ تعتمد على نجاح برنامج متميز يحدث فرقعة إعلامية وسرعان ما يرتبط اسم القناة بهذا البرنامج ومقدمه.

- إن المناخ السائد حالياً في ظل فضائيات العالم العربي يدعم الاتجاه السائد نحو تسفيه المعلومات والتوجه بها نحو الترفيه Infotainment وإغراق الجمهور بالمواد الترفيهية، بما يؤدي إلى تخدير إحساس المواطن بالواقع بدلاً من فهمه.

- إن محاولة الفضائيات الخاصة للتميز عبر برامجها أدى بها إلى الاستعانة بالحصول على امتياز بعض البرامج الغربية الناجحة في بيئتها , وهناك نوعان منها:

أ‌. برامج تعتمد على المسابقات الشهيرة أو مسابقات المواهب مثل سوبر ستار ومن سيربح المليون.
ب‌. برامج الواقع، من خلال جمع الشباب والشابات في حياة مشتركة للتنافس في مجال المواهب (ستار أكاديمي) أو جمع بين الفتاة والزوج المناسب مثل (على الهوا سوا) أو لسبب آخر (مثل Big Brother) وقد لقي نقداً شديداً وكبيراً، وخلفت هذه البرامج تعصباً غبياً بين الشباب العربي، وليته تخصص في شيء مفيد للأمة كالعلوم والأدب والاختراعات.. الخ. وقد ثار شعب البحرين على MBC بسب (Big Brother) مما أدلى إيقاف تصويره حرصاً من المجموعة ألا تكون سبباً في أي انقسام في وجهات النظر؛ وتحملت خسائر ضخمة.

3) السلبيات على مستوى القدرة التنافسية:
إن القنوات الفضائية العربية والرسمية تحديداً لم تستوعب حجم المنافسة الخطيرة التي تنظرها من جانب القنوات الدولية، لذلك مازال الحفاظ على السلطة وتكريس وجهة نظر النظام السياسي الحاكم في الدولة الباثة هو الهدف الأسمى التي تسعى إليه هذه القنوات، فنشرات الأخبار تتصدرها أخبار رئيس الدولة وأنشطته الروتينية التي تستغرق معظم وقت النشرة.

افتقدت القنوات الفضائية العربية الحرية والديمقراطية ولذلك فقدت أهم أسلحتها التنافسية.

4) السلبيات على مستوى القنوات المتخصصة والخدمات المشفرة:
· يمكن القول أن فكرة التخصص في القنوات الفضائية العربية لا تزال فكرة جديدة لم تجد طريقها للتنفيذ إلا على نطاق ضيق ويمكن استثناء بعض التجارب الناجحة من هذا الحكم، مثل قنوات شبكة راديو وتليفزيون العرب، وشبكة الأوربيت، وقنوات النيل المتخصصة، إضافة لبعض القنوات العربية الإخبارية المتخصصة، مثل الجزيرة والعربية، وبعض القنوات العربية الرياضية كذلك ، ومما أثير حول القنوات المتخصصة، يمكن أن نطرح المسائل التالية:

· تؤدي إليه من مزيد من انعزالية الأفراد، وتقوقع اهتماماتهم وخبراتهم، وتفتيت الجمهور الواحد إلى عدد كبير من الجماعات الصغيرة، ذات الاتجاهات المتباينة، فتكنولوجيا الاتصال الحديثة تتجه إلى جعل خبرات القراءة والاستماع والمشاهدة عبارة عن خبرات معزولة، "Insolated"، بدلاً من كونها خبرات مشتركة، فالرسائل التي توجهها القنوات المتخصصة أصبحت أكثر فردية، كما أن الأفراد يعرضون أنفسهم للمعلومات التي يحتاجونها بصفة شخصية، وفي ظل هذا التوجه الجديد أصبحت رؤية "مارشال ماكلوهان" الخاصة بوحدة العالم والحياة في قرية عالمية إلكترونية واحدة "Global Village"، والتي حققتها نهضة وسائل الاتصال في الستينيات بحاجة إلى إعادة نظر، بسبب ثورة الاتصال في نهاية التسعينيات، وهي لم تعد قابلة للتحقيق على النحو المتخيل منذ ثلاثة عقود، فالتطورات الحالية تعيد تقسيم العالم إلى قرى كثيرة، ولكن هذا التقسيم لا يرتكز اليوم على أساس تقسيم جغرافي أو عرقي أو ديني، وإنما على تقسيم جديد له مغزاه في تاريخ الإنسان، هذا التقسيم هو رغبات الإنسان واهتماماته، ولعل ذلك هو ما يدفع البعض إلى الحديث عن نوع جديد من المواطنة، وهي المواطنة التليفزيونية، "TV Citizenship"، وبالتالي فإن الدور الذي ظلت تقوم به وسائل الإعلام الجماهيرية في تحديد أولويات الاهتمام وجمع الجمهور حول أهداف محددة وتحقيق إجماع الأمة أصبح اليوم كما يقول "ديزارد،Wilson Dizard " محل شك.

· إثارة قضية هامة تتعلق بحقوق الأفراد في الحصول على المعلومات، ومساواتهم في هذا الصدد، إذ أن التقنيات الحديثة في الاتصال ستظل حكراً على الطبقات القادرة فقط، في حين سيحرم منها غير القادرين، الذين قد يكونون في أمس الحاجة إلى الحصول على خبرات ومعلومات أساسية تقدمها تلك القنوات، وإذا كان هذا التخوف قد أثير في المجتمعات الغربية المتقدمة، فكيف يكون الحال في المجتمعات النامية؛ حيث تحرم قطاعات كبيرة جداً من الجمهور من هذه الخدمات المتخصصة.

· إن الهدف الأساسي الذي تسعى إليه معظم القنوات المتخصصة هو تحقيق الأرباح، ذلك أنها تعتمد على مصادر التمويل الذاتي، وهو ما يثير القلق لدى الكثيرين، فالطابع التجاري لتلك القنوات يدفعها للاتجاه نحو الترفيه السهل، وربما الرخيص أحياناً، دون مراعاة للقيم الاجتماعية والدينية والأخلاقية، ويزداد الأمر خطورة عندما تقتدي وتقلد القنوات التي تأتينا عبر الفضاء حاملة معها رؤية ثقافية مختلفة، فالمتتبع لخريطة القنوات الفضائية العربية المتخصصة يلمس تواجداً متزايداً للقنوات الموسيقية والغنائية، وقنوات الأفلام، والقنوات الترفيهية، في حين لا يلمس هذا التواجد، وبالقدر نفسه للمضامين الجادة، كالثقافة والتعليم.

· سيطرة الإعلان على عدد من القنوات المتخصصة، ولقد كان ذلك ضمن أهم الأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسبة المواد الترفيهية وطغيانها.

· خطورة القنوات الإعلانية المتخصصة بما تقدمه من سلع وخدمات تكميلية، أو غير مناسبة لقيم المجتمع المتلقي، مما يخلق نوعاً من تخلخل القيم، والشعور بالدونية، والفوارق المادية.


5) السلبيات على مستوى مصادر التمويل وسوق الإعلان التجاري:
· إن دخول القطاع الخاص والمؤسسات التجارية غير ذات الصلة بالإعلام بإغراءات النجاح والربح الذي حققته الشركات المختلفة المستثمرة في هذا المجال ينقل تخوف "باجدي كيان، Bagdikian" من أن حفنة قليلة من هذه الشركات ربما يمكن أن تكون لها اليد العليا على وسائل الإعلام، وإذا كان هذا التخوف قد صدر في المجتمع الأمريكي، فلا شك أن المجتمعات النامية يجب أن تكون أكثراً تخوفاً من حدوث ذلك لديها.

· أن الغالبية العظمى من القنوات الفضائية الخاصة جاء إنشاؤها بغرض تحقيق الأرباح كهدف رئيسي، ومن ثم فقد دخل ميدان البث الفضائي رجال أعمال ومستثمرون وشركات من أصحاب رؤوس الأموال العربية من غير ذوى التخصص أو الخبرات السابقة في مجال العمل التليفزيوني أو الإعلامي، وبالتالي فإن هذه القنوات تعمل في إطار نظريات العرض والطلب، ولتحقيق أكبر قدر من الأرباح بعيداً عن مقولات الدفاع عن الهوية، وحماية الثقافة والزود عن التراث.

· سيطرة الإعلان على هذه القنوات التجارية، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تداعيات ولقد أدى التنافس على العائدات الإعلانية إلى أن أصبح " الإعلان الدولي" سمة واضحة في هذه القنوات مما انعكس على طبيعة المحتوى المقدم بحيث يتلاءم وفلسفات وتوجهات المعلنين، وربما كان ذلك من أهم الأٍسباب التي أدت إلى ارتفاع نسبة المواد " الترفيهية " وطغيانها على خريطة معظم القنوات الخاصة.

· إن اقتسام السوق الإعلانية بشكل غير متكافئ، وتفتت هذه السوق بين عشرات المحطات العربية، جعل الكثير من الفضائيات العربية يسعى لكسب السوق الإعلانية، بتقديم برامج والحصول على امتيازات عروض لا تنطلق من أهمية هذه البرامج والعروض لجمهوره المحلي بالدرجة الأولى، فعلى سبيل المثال سعت قناة المستقبل اللبنانية للحصول على امتياز نقل مباريات الدوري السعودي لكرة السلة؛ رغم أنها لا تنقل مباريات الدوري اللبناني المماثل بغية أقناع المعلنين في سوق العرض السعودية والخليجية بجماهيرية القناة للشباب السعودي، وبالتالي حصولها على نسبة كبيرة من إعلانات هذه السوق.

· أن السياسة الإعلانية في التعامل مع قنوات يفترض أن لها خصوصيتها غير مكتملة الأبعاد؛ حيث أنه لا يوجد اختلاف واضح بين نوعية السلع الخاصة المعلن عنها في القنوات المشفرة والمفتوحة، بالرغم من أنه يفترض زيادة إعلانات الخدمات المشفرة عنها في المفتوحة، بحكم الافتراض النظري لارتفاع المستويات الاقتصادية نسبياًً لمشتركي القنوات المشفرة، مما يجعلنا نخلص إلى القول إن التعامل مع القنوات الفضائية رغم تميز مشاهديها لا تزال تتم كما لو أنها قنوات جماهيرية لا تختلف في خصائصها كثيراً عن التليفزيون الأرضي، وبالتالي فإن استراتيجية الوصول الواسع مقارنة بالتكلفة هي التي كانت وراء اختيار المعلنين لها، وليس تبعاً لمعيار التكلفة في ضوء التأثير الفعال.

· إن شعار الربح، وتوفير مصادر التمويل خصوصاً بالنسبة للقنوات الفضائية العربية جعلها تلجأ لرسائل "SMS" الهاتفية من التليفونات المحمولة والنقالة بغية تحقيق دخل إضافي لها عبر عرضها في شريط خاص "Bar News"، وإذا لم نكن بصدد الاستعمال الخاطئ لهذا الشريط، فإنه لا بد من الإشارة إلى المحتوى الذي يقدمه من عبارات جارحة، وأسلوب فج وكلمات خارجة عن الذوق والأدب، وعادات وتقاليد المجتمع العربي والإسلامي، هدفها تعرف الشباب على الفتيات أو العكس أو تقديم الإهداءات والانتقادات بطريقة مستفزة.

· إن أسلوب المحطات الفضائية لكسب هواتف المشاهدين تجاوز كل الحدود عبر التصويتات والآراء والاختيار بين الصوت الأجمل والجسد الأنحل والرنة الأفضل والأغنية الأعزب، حتى أضحت عبارة "اتصل الآن" التي لا يمكن لمتتبع للفضائيات العربية بسرعة كبيرة إلا أن يصادفها خلال ثوان مرات عدة توازي عبارة "أدفع حالاً"، وغدت العبارتان تحملان البعد نفسه، وهو ما لا نراه في المحطات الأجنبية التجارية التي اخترعت هذه المسائل ذاتها.

(1) السلبيات المتعلقة بالتأثير على الخدمات الوطنية المحلية:
· إن رحلة القنوات الفضائية عابرة الحدود سواء ذات الخدمات العامة أو المتخصصة سوف تؤدي إلى انحسار الاهتمام الجماهيري بالخدمات المحلية والوطنية، وتقلص أعداد الجماهير التي تشاهد برامج الشبكات الرئيسية، وخدمات التليفزيون العامة.

· لا تؤدي إلى إبعاد المواطن عن وسائله المحلية فحسب، بل تؤدي كذلك إلى إلهائه عن واقعه المحلي ومشكلاته العالقة فيه.

6) السلبيات المتعلقة بمستوى خدمة الثقافة والهوية العربية، والعمل العربي المشترك:
· إلا أن النتائج التي تحققت من خلال التبادل الإخباري بين الدول العربية لم ترق إلى حجم التوقعات، ففي الفترة من عام 1990 إلى عام 1993 بلغ عدد الأخبار التي تم تبادلها عبر القمر الصناعي العربي "عربسات" 2085 خبراً فقط، كما أن معظم هذه الأخبار اتسم بطابع سياسي جامد يعكس توجهات الدولة المرسلة، ولا يخاطب متطلبات واحتياجات المشاهد العربي.

· إن النقطة السابقة تقودنا إلى أنه باستثناء "المسلسلات والأفلام العربية" يكاد ينعدم التبادل العربي في مجال الإنتاج التليفزيون من خلال القنوات الفضائية العربية فرغم مئات التوصيات التي نادت بضرورة زيادة التبادل العربي في مجال الإنتاج الإعلامي، وما كان يتوقع تحققه بدرجة كبيرة بظهور القنوات الفضائية العربية، إلا أن ذلك لم يتحقق بشكل كاف سوى في مجالي المسلسلات والأفلام العربية، ويمثل الإنتاج المصري المصدر الرئيسي لهما في مختلف القنوات العربية!!.

· إن العالم العربي يحق له أن يتوجس خيفة بعدما أطلقت إسرائيل العدو الأول للعرب سلسة أقمار الفضاء الصناعية "أموس AMOS" لتغطي الشرق الأوسط، وأفريقيا، وسيزداد هذا التوجس كلما أطلقت دولة من دول الجوار أقمار صناعية، كأقمار زهرة الأيرنية، والأقمار التركية سات التركية، وغيرها من الأقمار.

· إن هذه القنوات العربيـة- قد يسهم بعضها– في مزيد من التشويه للثقافة العربية، ومـزيد من التبـاعد بين الجماهير العربية، وربما يتضح ذلك من خلال:
1. استخدام القنوات الفضائية العربية للهجات المحلية في تقديم برامجها، في حين يندر أو يقل استخدام اللغة العربية الفصحى ، الأمر الذي يقوض أحد أسس الوجود العربي ذاته، ويدعم تناحر الثقافات العربية الفرعية.

2. مجاراة الأسلوب والنموذج الغربي فيما تقدمه بعض القنوات العربية من مواد وبرامج سواءً في محتوى تلك البرامج أو مسمياتها أو طريقة تقديمها.

3. افتقاد بعض القنوات العربية للهوية فيما تقدمه من موسيقى وأغنيات جرياً وراء تقليد كل ما هو أجنبي وغربي، سواء في أشكال المذيعات، أو أسماء البرامج ومضامينها.

· إن بعض القنوات الفضائية العربية تقدم بين برامجها ما هو أكثر خطورة وتهديداً لتلك القيم والأخلاقيات، فالمتابع لبعض قنوات الأغاني الفضائية العربية لا يكاد يلمس فارقاً كبيراً بين ما تقدمه تلك القنوات من كليبات فاضحة، وبين ما تقدمه القنوات الإباحية.

· تواضع نسبة المواد والبرامج الدينية باستثناء بعض القنوات الفضائية العربية المتخصصة، إذ يقتصر بعضها على تقديم القرآن الكريم في بداية ونهاية الإرسال فقط، كما أن البعض الآخر الذي يقدم مواد وبرامج دينية لا تزيد نسبتها عن 4 % من جملة المواد والبرامج التي تقدمها.

· تتمتع القنوات الفضائية العربية الخاصة بقدر أكبر من الحرية إذا ما قيست بالقنوات الحكومية، وهذا يدعو للتفاؤل من باب كونها تمثل المال العربي عموماً، ولكن المتتبع لما تقدمه بعض هذه القنوات من برامج، وكيفية معالجتها لبعض القضايا يستطيع أن يكتشف –بسهولة– هويتها وتوجهاتها ومن يقفون خلفها، فالمتابع لقناة " الجزيرة " وسبل معالجتها الإخبارية للقضايا العربية، يستشعر أجواء الحرية والديمقراطية في طرح الرأي والرأي الآخر طالما كان الأمر لا يتعلق بالأحداث والسيادة القطرية !! كما أن قناة –MBC– وإن كانت قناة "خاصة" إلا إننا نلمس بوضوح انحيازها بشكل أو بآخر للآراء والمواقف ووجهات النظر السعودية، كما أن المتابع لبرامج وتوجهات بعض القنوات /العربية/ الخاصة (ولاسيما الإخبارية منها) يلمس –على الفور- القوى الرسمية والحكومية التي تقف ورائها، مهما حاولت إخفاء ذلك

· إن السباق المحموم بين الفضائيات العربية للبث لأبعد المناطق الجغرافية ,و الوصول إلى أوسع قطاعات الجمهور , و جعل هذه الفضائيات تتعامل مع بعض الأقمار الصناعية , دون حساب خلفية هذه الأقمار , و طبيعة جمهورها , و الحساسية التي يشعر بها الجمهور العربي من المحيط إلى الخليج تجاهها , مثل القمر الصناعي الإسرائيلي عاموس1 , و الذي تبث عليه الفضائية الأردنية , و هذا يشكل اختراقا للمقاطعة العربية للتعامل مع العدو الإسرائيلي , على صعيد بث الخدمات الفضائية.
هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق

افضل 10 مواضيع