1‏/11‏/2015
الأحد, نوفمبر 01, 2015

ترم سابع .. مادة موضوع خاص فى الصحافة .. المحاضرة الخامسة .. الصحافة المصرية فى الفترة الزمنية من 1952 حتى 1981 .. بالتوفيق .

النظام السياسى والصحافة المصرية بعد ثورة يوليو 1952- 1981

الصحافة ظاهرة اجتماعية، ومن ثم فإن القضايا التي تطرح في المعالجات الصحفية، تمثل نتاجاً لواقع مجمتعي تتفاعل عناصر تكوينه مع مختلف الظواهر المجتمعية، ومن هنا يجب أن ندرس أي ظاهرة في إطار سياقها الإجتماعي الأشمل.
يقسم بعض الباحثين التطور الذي مرت به السلطة في مصر أيدولوجياً إلي عدة مراحل علي النحو التالي:
(1)     مرحلة إقرار النظام والقانون (المرحلة الإنتقالية) 1952- 1956.
(2)     مرحلة الديمقراطية الإشتراكية التعاونية (المرحلة الشعبية) 1956- 1961.
(3)     مرحلة إشتراكية الدولة (التحول الإشتراكي) 1961- 1970.
(4)     مرحلة التعدد الحزبي والإنفتاح الإقتصادي 1970-1981.
فمع قيام ثورة يوليو 1952 بدأت مرحلة جديدة في تاريخ مصر السياسي أدت إلي بروز ما يمكن تسميته إشكالية العلاقة بين قيادة ثورة يوليو والقوي السياسية والتيارات الفكرية التي كانت سائدة قبل الثورة، إلا أنه ينبغي ملاحظة أن هذه العلاقة لم تنشأ من فراغ وإنما كانت وليدة ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية تكاملت فيما بينها، لتفرز خريطة صحفية وإعلامية كانت لها سماتها وملامحها.
وقد لعبت هذه العلاقة الدور الأساسى في تشكيل خريطة الصحافة المصرية منذ قيام الثورة، وكذلك في أساليب ممارستها وأدائها لدورها .
((ملامح الخريطة الصحفية في الفترة من 1952 -1981))
في الفترة من [1952- 1981] كانت الصحافة المصرية تدور في دائرة يرسمها النظام تتسع وتضيق كيفما يشاء هذا النظام، وتخضع لتوجيهات السلطة أما بالرقابة أو الأعتماد علي الصلات والعلاقات الشخصية مع بعض الصحفيين، ولقد أجبرت السلطة عبر إجراءاتها ممارساتها الصحافة علي أن تكون في موقع الدونية والتبعية، فلم يكن أمام الصحيفة خيار لأنها لم تكن تتمتلك القدرة علي تحديد الموقف والأتجاه، فقد أدرك قادة الثورة أهمية الصحافة ودروها في دعم حركتهم وتعبئة الجماهير لتأييدها. وسعوا لتأسيس عدد من الصحف وإمتلاكها لتكون قنوات الفكر الثوري الجديد، ولتكشف أسرار الفساد والفضائح للنظام الملكي السابق علي الثورة، وقد صدرت صحف ومجلات تعبر عن الثورة وتكون بمثابة لسان حال لها، حيث صدرت مجلة التحرير 16 سبتمبر 1952 أي بعد قيام الثورة بأقل من شهرين، ثم جريدة الجمهورية في (7 ديسمبر 1953) كما بدأ غزو النخبة العسكرية للصحافة المصرية منذ الأسابيع الأولي للثورة وذلك بإسناد مناصب رئاسة التحرير للعديد من الضباط في الصحف الناطقة باسم الثورة، وتزايد نفوذهم تدريجياً حتي يمكن القول بأن حقبة جديدة بدأت في تاريخ الصحافة المصرية، يمكن تسميتها "بالحقبة العسكرية" والبعض يري أن الثوار لم يكونوا بحاجة إلي أن يمتلكوا صحفاً أو أن ينشئوا دوراً صحفية جديدة لأن الصحف التي كانت تصدر وإستمر إصدارها بعد قيام الثورة، والتعبير عن التأييد المطلق لإجراءتها، وراحت تخصص جانباً كبيراً من صفحاتها للترويج لفكر الثوار، ومهاجمة النظام الملكي والعهد البائد وكشف الفساد والتبشير بالتغيير، والإصلاح، والقضاء علي الظلم والفساد والقهر والإستغلال، وتقديم القادة الجدد إلي الشعب في صورة إيجابية للجماهير فأصبحت "الأهرام" تنطق بلسان الثورة وتؤيد إجراءاتها في تحديد الملكية وإلغاء الدسور والأحزاب السياسية بعد أن كانت من قبل تصف الدعوة إلي تحديد الملكية بأنها دعوة هدامة ومغرضة، ولم تكن الأخبار بأقل من الأهرام في هذا الإتجاه.
وبالرغم من أن جميع الصحف إستقبلت الثورة بكل هذه الحفاوة إلا أنه كان هناك شك في حقيقة مواقفها التي ربما كانت مبنية علي خوف من السلطة الجديدة ومن ثم صعوبة التفرقة بين ما هو واقعي وما هو نفاق ولذا كان إتجاه الثورة إلي إصدار صحف جديدة سبيلاً لإجراء تغيير في نوعية الكادر الصحفي الذي يمكن الاعتماد عليه في الدعوة لفكر السلطة الثورية الجديدة والترويج لمشروعاتها والدفاع عن سياساتها، ومن ثم بد الإتجاه قوياً نحو إصدار صحف تنطق باسم الثورة وتعبر عنها، ومن ثم سعي الضباط إلي تولي المناصب المؤثرة في صنع القرار التحريري والإداري فيها إلي جانب الإعتماد علي عدد من كبار الكتّاب والصحفيين من ذوي الفكر الإجتماعي الذي ينزع إلي تغيير البيئة الإقتصادية والإجتماعية للمجتمع المصري.
ولأن الثورة إستهدفت في خلق إجماع وطنى حول القضايا الداخلية والخارجية فقد عمدت القيادة السياسية إلي الربط بين تصوارتها، والتصورات  السائدة في المعالجات الصحفية، وصار التزام المعالجة الصحفية بالتعبير عن تلك التصورات من أهم المسئوليات التي تتحكم في توجيه الأداء الصحفي ولأن النظام – ممثلاً في عبد الناصر- اتجه إلي رفض التعددية الحزبية إستناداً إلي رؤية مؤداها أن الأحزاب عامل تفتيت في ظل الصراع الذي ينشب بفعل التفاوت الطبقي الكبير بين أفراد المجتمع، ولهذا جاء إتجاه النظام للبحث عن التنظيم السياسي الشعبى الذي يملأ الفراغ، ويسهم في تحقيق الوحدة الوطنية، ويتحمل تعبئة المواطنين نحو المشاركة في بناء المجتمع، وكان هذا هو الإطار الفكري الذي تحكم في إنشاء هيئة التحرير (1953)، والإتحاد القومي (1957) والإتحاد الإشتراكي (1962).
وفي ظل هذا التوجه بدأ إستمرار طابع الملكية الخاصة في الحصافة مهدداً لتطلع السلطة الثورة في مصر نحو بناء المجتمع الإشتراكي الديمقراطي ولتحقيق وحدة وطنية تضمن تعبئة المواطنين وحشد جهودهم لعملية البناء، كما أن بقاء المؤسسات الصحفية تحت سيطرة رأس المال الخاص لتمارس مهامها الإعلامية في ضوء المفهوم الرأسمالي للنشاط الإعلامي والصحفي في مجتمع يتجه نحو الإشنتراكية، يمثل تناقضاً بين الإعلام والمجتمع، وعدم إتساق بين طبيعة النشاط الصحفي وهوية النظام السياسي، لهذا توجه النظام السياسي إلي أن ينهج عدة وسائل ويستهدف من ورائها السيطرة علي الصحافة، وتمثلت تلك الوسائل في الرقابة المسبقة علي النشر أو بعده وإلغاء الصحف بحجة عدم الإنتظام في الصدور، وإعتقال الصحفيين ومحاكمتهم في محاكمات إستثنائية، وبقضاء عسكري ودون توافر ضمان للمتهمين، وإصدار أحكام تخرج عن القانون العادي، بالإضافة إلي الفصل من العمل أو منع الصحفيين من الكتابة، والإتجاه إلي حل مجلس نقابة الصحفيين وعسكرة الصحافة المصرية، ثم ربط الصحف بالأتحاد القومي عن طريق قصر الترشيح للنقابات المهنية علي أعضاء الأتحاد القومي، ثم جاءت مطالبة عبد الناصر صريحة بأن يكون للأتحاد القومي دوراً إيجابياً في توجيه الصحافة، وكان ذلك تمهيداً لعملية  تنظيم الصحافة وتملكها للأتحاد القومي. وقد جاء قانون تنظيم الصحافة "لينقل السلطة من رؤساء التحرير الحزبيين إلي النخبة العسكرية .
في الفترة من عام [1960- 1970] كانت الصحافة المصرية أكثر إستقراراً وإستمرارية في التاريخ المصري الحديث، لكن هذا الاستقرار وهذه الإستمرارية قاما علي أساس التبعية شبة الكاملة للسلطة، وفي إطار هذه التبعية تحدد شكل الإتصال في إتجاه واحد من أعلي إلي أسفل وفشلت الصحافة في نقل آراء وإتجاهات الجماهير، وإستخدمتها السلطة كوكالة للتبرير والترويج والدعاية، ومن ثم فقد فقدت الصحافة الإستقلالية في صياغة الرسائل التي تحملها للجماهير بحيث يمكن القول أن "السلطة هي القائم بالإتصال" وأن الصحافة لم تكن إلا أداه أو وسيلة لنقل رسائل السلطة للجماهير.
وبالرغم من أن البعض رأي في تنظيم الصحافة تخلصاً من الآثار السلبية للملكية الخاصة وضماناً لتوسيع المشاركة الشعبية في بناء المجتمع وأداه للتعبير عن الرأي العام، إلا أن البعض الآخر رأي أن ما حدث للصحافة المصرية كان بمثابة تأميم "أفضي إلي ملكية الدولة أو السلطة وسيطرتها علي الصحافة المصرية، وأن ملكية الشعب لافتة لإخفاء السيطرة الفعلية للدولة أو السلطة وملكيتها للصحافة.


الصحافة خلال فترة السادات:
حرص الرئيس السادات علي أن يبدأ مرحلة حكم بالتأكيد علي شعار الإستمرار والإستقرار علي نهج عبد الناصر، وكانت الصحافة هي أداته المثلي للترويج لهذا الشعار وعلي رأسها صحيفة أخبار اليوم التي قامت بدور رئيسي في تقديم شخصية السادات إلي الجماهير من حملات صحفية لتعريف المواطنين بشخص السادات وتاريخ كفاحه، وقد نجح السادات في إستخدام أجهزة الإعلام والصحافة بشكل خاص لخدمة أهدافه مما كان له تأثير في بلورة نظرته للصحافة علي أنها الأداة الأساسية لحشد المواطنين وتعبئتهم والتأثير في آرائهم لصالح الخطة العامة للدولة وسياستها الداخلية والخارجية وأهدافها، وخاصة في بناء القوات المسلحة، وإزالة آثار العدوان وتحرير الأرض العربية المحتلة، ومن ثم فقد طالب السادات كافة الأطراف المجتمعية بما فيها الصحافة بـ "أن تكون كل كلمة وكل حرف يكتبونه أو يذيعونه يخدم المعركة ويعمق الوعي بالعدوان الإسرائيلي، بإعتباره إمتدادا للحروب الصليبية ومحطة للمخطط الصهيوني الذي يهدف لأقامة دولة إسرائيل من النيل إلي الفرات".
وتكشف قراءة الخطاب السياسي والممارسة الساداتية عن إصرار السلطة علي تبعية الصحافة لها بشكل كامل بالرغم من رفع شعار الديمقراطية ،  وبالرغم من أن دستور 1971 تضمن من النصوص ما يمكن أن يفتح الباب لمرحلة تتسم بقدر من حرية الصحافة، فإن السادات قد أوضح في مناسبات كثيرة قبل 1974 أنه يخشي حرية الصحافة بشكل كبير، ويريد تبعية الصحافة الكاملة له، كما أنه قد ارتفعت تهديداته ضد أي محاولة للتعبير عن رأي يختلف مع توجهات السلطة، وقد مارست السلطة مسألة نقل الصحفيين الذين تجرأوا وإتخذوا مواقف لا ترضي عنها السلطة، فحين أصدر 200 صحفي وكاتب بياناً في يناير 1973 إحتجاجاً علي تسويف السلطة في إتخاذ قرار الحرب، ردت السلطة بشكل عنيف فأسقطت عضويتهم بالاتجاه الاشتراكي وتم نقلهم إلي هيئة الاستعلامات، بالرغم أن السادات نفسه هو صاحب قرار إعادة جميع الصحفيين الذين أبعدوا عن مؤسساتهم خلال فترة الستينات وكان ذلك عام 1972، وقد أرجع البعض ذلك إلي أن هؤلاء الصحفيين كانوا يناهضون إجراءات ونظام حكم الستينات، أما العهد الآن فأصبح بحاجة إلي مساندتهم ويري البعض الآخر أن نظام السادات كان بحاجة للمزيد من الشرعية في مواجهة خصومه وكان هذه القرار الذي شكل مطلباً ملحاً لنقابة الصحفيين بمثابة محاولة لكسب قدر من التأييد الذي كانت السلطة في حاجة له.
ثم قامت بعملية الفصل لتوجه رسالة بأنها قادرة علي استخدام نفس الأسلوب الذي استخدم في عهد عبد الناصر ثم عادت وكان صاحبة العفو والإعادة.
ومن هنا جاء إنتصار 1974 برفع الرقابة عن الصحف، وأعلن السادات أن قراره برفع الرقابة يأتي نتيجة إيمانه بحرية الصحافة وثقته بالجماهير ووعيها الوطني، ويربط البعض بين قرار السادات برفع الرقابة عن الصحف وسياسة الإنفتاح الاقتصادي الجديد للمجتمع المصري آنذاك وأن هذا الإجراء كان جزء من عملية تبرير ومساندة أيولوجية الإنفتاح الاقتصادي.
ومن هنا كان الحرص علي أن يقدم الإعلام للرأي العام رؤية واحدة تقدم له الجانب الإيجابي لهذه التحولات، ولذلك فإن جانباً كبيراً من الرأي العام خدعته تلك الممارسات الإعلامية فيما طرحته من تصورات الرخاء والرفاهية والسلام مع تلك التحولات الجديدة في حين كان هناك شق آخر يعي خطورة تلك التحولات وآثارها.
وقد مارست الصحافة المصرية خلال هذه المرحلة بالفعل حرية التعبير وأدرات مناقشات حرة حول العديد من القضايا كالديمقراطية والتوجهات الإقتصادية الحديدة للنظام، وظهرت علي صفحات الصحف مقالات عديدة مارست النقد للعديد من الظواهر والسياسات وتمحور هذا النقد حول مرحلة عبد الناصر وسياساته، وهذا ما لقي تشجيعاً من القيادة والنخبة حيث وظفته لصالحها ولصالح سياستها أما الشق الثاني فتناول الجهاز الحكومي وأوجه الخلل فيه ومناقشة أزمات إجتماعية حادة كالإسكان وإرتفاع الأسعار وتدهور الخدمات والبنية الأساسية.
ويبدو أن السلطة ضاقت بحرية الصحافة فقامت بعدة إجراءات منها:
  1. التغيير في مجالس إدارات الصحف بعزل المعارضيين والإبقاء علي من هم علي إستعداد للترويج لقرارات السلطة.
  2. إعتقال الصحفيين، والمنع من الكتابة وإغلاق المجلات.
  3. زيادة القيود بعد مبادرة 1977 وذلك من خلال العزل السياسي لمعارضي "كامب ديفيد" وإعتبار  أي نقد لها جريمة جنائية يعاقب عليها القانون بالحبس والغرامة بالإضافة للحرمان من ممارسة الحقوق السياسية.
وكل تلك الممارسات تدل علي أن النظام الإعلامي في عهد السادات كان أحد الأنظمة الفرعية للنظام السياسي، كما أن متابعة تصورات السلطة السياسية وتأثيرها علي معالم السياسات التحريرية تكشف عن نوعين من السياسات:إحداهما كانت تفرز من القيم الديمقراطية والأخري لم تحقق توافقاً مع تلك القيم بل ناصبتها العداء وأجهضت كل محاولة لترسيخها، ومثل هذا الموقف دفع أحد الباحثين الأمريكيين إلي طرح تساؤل: وما الطريق الذي يتعين علينا إتباعه؟


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  
بالتوفيق،،،،،،

Mamdouh Hakim
هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق

افضل 10 مواضيع