مفهوم
الفيلم التسجيلي وأوجه مقارنته بالفيلم الروائى
مفهوم الفيلم التسجيلي:
إن الأفلام التسجيلية أو السينما التسجيلية بصفة عامة إنما تركز
على ثلاث قواعد رئيسية هي:
أولاً: أنها تستمد مادتها من واقع المكان الذي يجرى تصويرها
فيه، حيث تتناول مظاهر الحياة المختلفة فى واقعها الفعلي الحقيقي، وبالتالي فإنها
تتعامل مع عناصر واقعية حقيقة غير مؤلفة أو متخيلة، وتتكون لقطاتها ومشاهدها من
الحدث الواقعي وتكون القصة هى المكان والمكان هو القصة.
ثانياً:
يجرى تنظيم المادة على ضوء فهم الواقع فهماً ناضجاً ودقيقاً وبعد دراسة وافية
ومتأنية، وبذلك يقوم الفيلم التسجيلي بتوظيف عناصر الواقع لتفسير الموضوع أو
الحدث.
ثالثاً:
تقدم المادة فى قالب جذاب يعتمد البناء الدرامي كأساس فنى ولا يقف عند حدود الوصف
السطحي للموضوع.
1. ويمكن تبويب أو حصر القواعد
الأساسية للسينما التسجيلية عند جريرسون فيما يلي:
2.
تستمد
السينما التسجيلية مادتها من واقع المكان الذى يتم فيه التصوير ومن واقع الحياة
بأشخاصها الحقيقيين.
3. التفرقة بين الوصف والدراما، أى التمييز بين
الأسلوب الذي يقتصر على وصف القيم السطحية للموضوع والأسلوب الذي يكشف عن حقائقه
بطريقة فعالة.
4. تنظيم المادة الواقعية المستمدة من واقع
الحياة واختيارها وإعادة ترتبيها بأسلوب فنى يعكس وجهة نظر المخرج، بمعنى معالجتها
وتناولها وعرضها بشكل فنى خلاق.
5. اعتماد وقيام الفيلم التسجيلي على الملاحظة
والانتقاء من الحياة نفسها، ومعايشة الأحداث أو الأماكن أو الأشخاص الذين يدور
حولهم الفيلم.
وحدد
جريوسون القواعد الأساسية للعمل فى حقل السينما التسجيلية كما يلي:
1.
نحن
نؤمن بأن السينما تملك القدرة على الانتقال إلى أنحاء كثيرة من العالم لتراقب ما
يجرى فى الحياة ذاتها وتنتقى منه ما يناسبها لخلق شكل فنى حيوى جديد. فالسينما
التسجيلية مهمتها تصوير المنظر الحقيقي الحي والقصة الحقيقية الطبيعية.
2.
نحن
نؤمن بأن استخدام الإنسان الحقيقي من غير الممثلين والمنظر الطبيعي بدلاً من
الصناعي يساعدنا على تقديم أفلام تفسر لنا العالم الحديث، ونؤمن أن هذا يتيح
للسينما فيضاً زاخراً من المواد، ويمنح السينما القدرة على أن تسجل أحداثاً مهمة
ومعقدة مما يحدث فى العالم الحقيقي تفوق كل ما يستطيع خلقه رجال الأستوديو
بمعداتهم المتنوعة.
3.
ونحن
نؤمن أيضاً أن مثل هذه المواد والقصص التي تنقلها من عناصرها الخام قد تكون أكثر
دقة "وأكثر واقعية بالمعنى الفلسفي" من الأحداث التي يعاد تمثيلها. أضف
إلى ذلك أن فى وسع الأفلام التسجيلية أن تلم بقدر وثيق من المعرفة وأن تبلغ حداً
من التأثير العميق لا يمكن أن تبلغه الوسائل الصناعية فى الاستوديوهات ولا التمثيل
الدقيق الذي يؤديه الممثلون العالميون.
أما الكاتب والمخرج الإنجليزى بول روثا فقد ذكر أن من سمات الفيلم
التسجيلي كالأتى:
1. اعتماده على الفكرة Idea أو التميا- أى الفكرة الرئيسية – Theme بدلاً من
الحبكة Plot التي يعتمد عليها الفيلم الروائي.
2.
عدم اهتمامه بأحداث أو أشخاص أو أماكن ملفقة من صنع
الخيال وإنما يصور العالم الحقيقى أساساً، وليس له علاقة بنظام النجوم وشباك
التذاكر.
3.
يتوافر فيه أكبر قدر من الوضوح والمباشرة، وهذا ما يتحقق
من خلال تتابع منطقى محكم لعناصره، فهو يعتمد على مخاطبة العقل- أساساً- ومنه
ينتقل إلى المشاعر والأحاسيس والوجدان.
ويفضل بول روثا أن
يلقى الفيلم التسجيلى الضوء على الماضي ويشرح الحاضر ويثرى المستقبل ويغذيه،
ويطالب بأن يكون صانع الفيلم رجل اجتماع وفناناً أيضاً، يعتمد على كاميراته
للتعبير عن آرائه ووجهة نظره.
وما نود التأكيد عليه هنا عند توضيح مفهوم
الفيلم التسجيلى هو مبادئ البناء التسجيلى ووظائفه وتأثيراته، فهناك أربع ميول أو توجهات رئيسية للوظائف الجمالية
والفنية للفيلم التسجيلى، ولا يقصد بهذه الفئات الأربعة أن تكون حصرية أو محكمة
الإغلاق، ففي أعمال المخرجين التسجليين قد تظهر واحدة أو أكثر من هذه التوجهات،
وقد يتم التركيز على أحدهما أو إهماله، وهذه التوجهات أو الوظائف الأربعة تتمثل فى:
1. التسجيل والتوثيق والكشف والحفاظ على
التراث To Record, Revel or Preserve: وهذه الوظيفة أو التوجه للإنتاج التسجيلى
تتمثل فى تثبيت ما هو موجود أمام الكاميرا على الفيلم الخام سواء كان ذلك فيما
يتعلق بخبرات حياتنا أو خبرات أشخاص آخرين من ثقافات مختلفة، وهى جهود هشة وغير
صادقة، حيث تظهر دائماً المسائل المتعلقة بانتقاء زوايا التصوير وأنواع وأحجام
اللقطات، فتصبح النتائج وسطية نتيجة للتدخلات المتعددة بين الإشارة السينمائية أو
ما نراه على الشاشة والمرجع الأصلى أو ما هو موجود فعلاً فى العالم الحقيقى.
2.
الإقناع والترويج والدعاية To Persuade or Promote : إن الإقناع هو أحد الوظائف أو الأدوات
الرئيسية للإنتاج غير الروائي أو التسجيلى وذلك فى التقاليد التى أرساها جون
جريرسون لهذا النوع من الإنتاج، وهو الرجل الذي يعزى له الفضل كأول من استخدم لفظ
أو كلمة تسجيلى Documentary لوصف
هذه النوعية من الأفلام غير الروائية، وأثر هذا الرجل باعتباره فناناً ومخرجاً
وناشطاً اجتماعياً على الإنتاج التسجيلى ليس فى بريطانيا فقط وإنما أيضاً فى كندا
والولايات المتحدة الأمريكية والعالم أجمع، فاعتبر أو مثل هذه النوعية من الأفلام
تستخدم كمطرقة أو أداة لتشكيل مصير الأمم، وسيطر على الإنتاج التسجيلى الخاص به
والإنتاج التسجيلى البريطانى خلال الثلاثينيات النزعة الدعائية والتسويقية بمعناها
الواسع مثل أفلامه" البريد الليلى Night Mail" عام 1936، و "مشكلة الإسكان Housing Problems " عام 1935، واستخدام الأفلام التسجيلية فى مجال الدعاية
والإقناع والترويج لأفكار سياسية معينة وحث الجماهير على دعم الحكومات ارتبط
بفترات تاريخية محددة وبقوى وعوامل تاريخية محددة.
3.
التحليل والتساؤل والإستفهام To Analyze or interrogate: إن عملية الإستكشاف والتساؤل والإستفهام
بشأن الواقع هى عملية يتضمنها أى فيلم أو إنتاج تسجيلى بدرجة ما، ويقدر بعض النقاد
نجاح أى فيلم تسجيلى بمدى قدرته على تنشيط جماهيره وحثهم على التفكير والتساؤل
والإستفهام بشأن الموضوع الذى يعالجه.
4. التعبير
To
Express: وتهتم هذه الأفلام بالقوة التعبيرية للأفلام التسجيلية،
وذلك من خلال توظيف جماليات فن التصوير الفوتوغرافى بالإضافة إلى إمكانيات
المونتاج لخلق تأثيرات تعبيرية جمالية وفنية خلاقة مؤثرة، ولقد تم استخدام هذه
الإمكانيات التعبيرية الفنية والجمالية فى مجال الإنتاج التسجيلى بواسطة العديد من
المخرجين حتى أولئك الذين يحملون معتقدات وتوجهات سياسية قوية تقودهم خلال عملية
الإنتاج التسجيلى.
وفى ضوء التعريفات والتعليقات التى تناولت
الفيلم التسجيلى أسسه وقواعده، نستطيع أن نستخلص بعض الخصائص العامة له من عدة
جوانب.
أولاً:
من حيث الموضوع:
يهتم
الفيلم التسجيلى بالجوانب الحقيقية لحياة الإنسان والحيوان وكافة المخلوقات وكل
الصناعات، فهو يتسع لكافة الموضوعات سواء كانت تاريخية أو اقتصادية أو اجتماعية أو
علمية.
ثانيا:
من حيث المفهوم
الفيلم التسجيلى هو دراما الأفكار المتعطشة
للتعبير الاجتماعى والتى لا تتجه إلى الرضا الجمالى أو إلى الترفيه.
ثالثاً:
من حيث الهدف:
يهدف الفيلم التسجيلى إلى تنبيه المشاهد
لبعض جوانب الحقيقة، وإلقاء الضوء على المشاكل الاجتماعية أو عرض وجهات النظر تجاه
بعض الموضوعات والقضايا.
رابعاً:
النواحى التقنية:
الفيلم
التسجيلى عبارة عن صورة متحركة وأحياناً يستخدم
الصور الثابتة أو فن التحريك، وكل هذه الصور سواء كانت متحركة أو ثابتة يتم عمل
مونتاج لها حيث نحصل على النسخة الأخيرة من الفيلم التى يمكن عرضها فى أى وقت.
كذلك يستخدم الفيلم التسجيلى التصوير الحى ويلجأ إلى مكونات عنصر الصوت على
اختلافها ولا يعتمد على السيناريو التفصيلى المحكم الإعداد قبل التصوير، وله بداية
ونهاية ويحمل اسماً خاصاً بكل فيلم وله فريق فنى مسئول عنه وعلى رأسه المخرج والذى
يطلق عليه البعض المايسترو السينمائى.
عوامل
ظهور الإتجاه التسجيلى وأسباب انتشاره:
ومن أبرز تلك العوامل التى ساعدت على الاهتمام
بالشكل التسجيلى- من قبل هواة السينما- بعد ظهور الكاميرا السينمائية ما يلي:
العامل
المادى:
وهو عامل أساسى وراء
الإقبال على الإنتاج التسجيلى حيث أن تكلفة إنتاجه تقل كثيراً عن الإنتاج الروائى
والذى يمر بخطوات ومراحل عديدة بدءاً من شراء القصة أو الرواية- التى
يتم تحويلها إلى عمل سينمائي- ثم الإتفاق مع الممثلين وفريق الفنيين واستئجار
الاستوديوهات وبناء الديكورات اللازمة وتحديد مواقع التصوير الخارجى والحصول على
إذن التصوير فى المواقع الخارجية المختارة، وبعد خطوات الإنتاج الفنى تأتى مرحلة
التوزيع والعرض وما تتطلبه من إعلانات ودعاية ودور العرض السينمائى، ولذا فليس فى
مقدور كل منتج شخص أو مؤسسة أن ينتج فيلماً روائياً لذلك يتجه بعض المنتجين إلى
إنتاج أفلام بعيدة عن بلاتوهات الأستوديوهات والنجوم المعروفين ذوى الأجور الباهظة
متجهين إلى الواقع لإنتاج أفلامهم دون أن يتكلفوا الميزانيات الضخمة التى تفوق
قدراتهم الإنتاجية، وقد يبدأ البعض مشواره السينمائى من خلال القالب التسجيلى ثم
يتجه بعد ذلك إلى السينما الروائية، آخذين فى الاعتبار أن كثيراً من الجهات التى
تلجأ إلى الشكل التسجيلى تستخدمه لأغراض بعيدة عن تحقيق الربح المادى مما يجعل
الإنفاق عليه غير مرتبط بتحقيق الكسب من خلاله والذى قد يبرر ارتفاع التكلفة كما
هو الحال فى الفيلم الروائى أو حتى الإعلان.
جهود الهواة:
قامت
المحاولات الأولى لإنتاج الأفلام السياحية
والتسجيلية فى فرنسا والتى بدأت مع بداية الإنتاج السينمائى معتمدة على أشخاص من
خارج المهنة أو غير محترفى العمل السينمائى، وبعيداً عن هدف الكسب المادى المباشر
حيث جذب اختراع كاميرا التصوير السينمائى البعض
لتسجيل أنشطتهم وما يلفت انتباهم من مظاهر طبيعية أو اجتماعية ومراقبة البيئة المحيطة
بهم.
الأغراض
الدعائية:
اكتشف المشتغلون بالدعاية والإعلان والعلاقات العامة قدر السينما
وإمكانياتها الكبيرة كوسيلة اتصال بالجماهير لما
تتسم به من مميزات وإمكانيات عديدة فى الإقناع وجذب الإنتباه لاعتمادها على عنصر
الصورة المتحركة والألوان والصوت بأشكاله المختلفة والتمثيل والتصوير الحى المباشر
وفن التحريك من رسوم متحركة وعرائس وأقنعة، بالإضافة إلى الأساليب المتطورة
الحديثة فى التصوير وثراء طرق العرض السينمائى وتعدده، والإمكانيات المتعددة
للكاميرا السينمائية، وللأفلام الخام التى تستخدم فى التكنيك السينمائى، لذا لم يتردد
المشتغلون بالدعاية والإعلان والعلاقات العامة فى استخدامها كوسيلة للدعاية لتكوين
الصور الذهنية على المستوى التجارى والاقتصادى والسياسي، فأنتجوا العديد من
الأفلام للدعاية لسلعهم ومنتجاتهم ومؤسساتهم وأفكارهم وللترويج لها.
وخير مثال على ذلك أفلام الدعاية الألمانية النازية والأفلام الدعائية السوفيتية
والأفلام الدعائية الإسرائيلية التى جمعت من خلالها تأييد الرأي العام الأوروبي. ثم اتسعت دائرة
استخدام السينما فى مجال الدعاية وأغراضها فشلمت النواحي الاجتماعية والبيئية
والصحية والثقافية والأفكار المستحدثة.
حدود الفيلم
التسجيلى:
وهنا يجب أن نشير إلى وجهات نظر المخرجين:
جريرسون، وفلاهرتى، وفيرتوف، بشأن موضوع المعالجة
الخلاقة للواقع وتفسيرهم لها.
هنا يظهر سؤال ملح وهو إلى أى مدى تستطيع
الأفلام التسجيلية فعلاً أن تقدم الحقيقة، وهل يستطيع أى فيلم أن يقدم الحقيقة
كاملة وأن يقدم الحقيقة أو الواقع فقط لا غير، وهل تستطيع هذه الافلام التسجيلية
أن تنقل الواقع كما هو، وهل تستطيع هذه الأفلام أن تقدم وجهة نظر أو منظور غير
متحيز وموضوعى بشأن العالم من حولنا أم أنها
تكون فى أفضل الأحوال بناء لواقع أو حقيقة جزئية، فهل هذه الافلام تعرض
وتقدم الواقع كما هو أم تخلق وتبنى واقعاً آخر مختلف، ومن غير المعتقد أن الإنتاج
التسجيلى يمثل نافذة بسيطة وغير متحيزة أو موضوعية على العالم، بالرغم من أن
تقنيات التسجيل الصوتى والمرئى تقدم احتمالية لتسجيل الواقع بطرق مختلفة ومتفوقة
على أى تقنيات فنية سابقة، إلا أن هناك دائماً عملية البناء أو المعالجة الخلاقة
والتى تتمثل فى انتقاء المواد التى يتم تسجيلها ووضع الأحداث فى إطار معين
بالإضافة إلى عملية المونتاج نفسها ووجهة نظر القائمين على صناعة الفيلم والتعليق
وغيرها من العناصر التى تشكل البناء أو المعالجة الخلاقة للواقع تعبيراً عن وجهة
نظر أو موقف معين، وعلق
جريرسون Grierson على هذه الإشكالية الخاصة
بالإنتاج التسجيلى وكيفية تسجيله للواقع، مؤكداً أن صانعى هذه النوعية من الأفلام
يتدخلون فى عملية البناء الخلاق للواقع، واعترف بحقيقة أن صانعى هذه الأفلام
يتدخلون من خلال تفسير وبناء وترتيب الأحداث بطرق معينة، وبالفعل قام التسجيليون
بتطوير مداخل وأساليب متنوعة وتقاليد لعملهم، وكل منهم يتعامل مع القضية أو
المشكلة ويعالجها بطريقة مختلفة من خلال تقديمه للواقع.
وظهرت هذه الإشكاليات
مبكراً فى تاريخ الإنتاج التسجيلى، فقد قام روبرت فلاهرتى Robert
Flaherty الذى يعتبره البعض الأب الروحى للسينما التسجيلية
باستخدام الكاميرا باعتبارها أداة أنثروبولوجية لتسجيل وتوثيق دراساته عن الإنسان
فى الإسكيمو وذلك خلال معيشته وسطهم، وفيلمه نانوك رجل الشمال Nanook of The North عام 1922 يعتبر من أشهر
أفلامه، وواجه فلاهرتى خلال تصويره لهذا الفيلم قضايا متعلقة باخلاقيات الفيلم
التسجيلى ومدى نقله للواقع والحقيقة، فأحياناً قام فلاهرتى بإعداد المشهد لتصوير
موقف معين، مثل مطالبته للصيادين باستخدام أدوات الصيد التقليدية أو القديمة بدلاً
من الأسلحة الحديثة التى يستخدمونها، وهذا التكنيك الذى استخدمه فلاهرتى هنا أراد
به تسجيل تقاليد وممارسات الصيد التقليدية ليجعل الفيلم يبدو أكثر أصالة، إلا أن
ذلك لم يمثل فى الواقع تسجيلاً أو تقديماً واقعياً أو حقيقياً لممارسات الصيد التى
استخدمها سكان الإسكيمو فى العشرينيات من القرن الماضى، وأحياناً أخرى طالب
فلاهرتى من الشخصيات الحقيقية التى دار حولها الفيلم القيام بمهام خطيرة خصيصاً من
أجل التصوير فى فيلمه، حيث كان هدف فلاهرتى تسجيل وتوثيق الخبرات والممارسات
الثقافية والعادات والتقاليد وظروف المعيشة لهذه القبائل المتنقلة بطريقة أمينة
وصادقة أقرب ما تكون لحياتهم الحقيقية وتعطى الشعور بذلك للمشاهدين، حتى لو لم
يمثل فيلمه مرآة كاملة لما يحدث بالضبط فى هذه القبائل.
وعلى العكس، فإن
المخرج الروسى دزيجا
فيرتوف Dziga Vertov الذى عاصر فلاهرتى وبدأ عمله فى مجال إخراج
الأفلام التسجيلية تقريباً فى نفس الفترة التى عمل فيها فلاهرتى، اعتقد فيرتوف أن
مخرجى الأفلام التسجيلية لا يجب أن يتلاعبوا بالأحداث أو يكون لهم أى سيطرة أو
تحكم فيها، وكان معارضاً تماماً للوهم المسرحى الذى تقدمه الأفلام الروائية وأراد
استخدام فن السينما لعرض الواقع الاجتماعى، بل وعرض وكشف عملية صنع الأفلام ذاتها،
وذلك من خلال أشهر أفلامه الرجل والكاميرا The Man with a Movie Camera عام 1929 والذى تضمن لقطات
لعملية صنع الفيلم السينمائى وإجراء المونتاج له، ورأى فيرتوف الكاميرا السينمائية
باعتبارها عين ميكانيكية قادرة على النظر للواقع ونقله بطريقة لا يقدر عليها
البشر، وآمن بأن الكاميرا تستطيع أن تلتقط وتسجل الواقع وتعيد عرضه كما هو مرة
أخرى للمشاهدين، فهى تعرض المشهد بالضبط كما حدث من منظور محدد، ورأى أنه من المهم
أن يصبح جماهير السينما على وعى بأساليب المخرجين خلال عملية الإنتاج وكيف يتخذون
قراراتهم بشأن اختيار اللقطات وترتيبها خلال عملية المونتاج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالتوفيق،،،،،،
Mamdouh Hakim
0 التعليقات:
إرسال تعليق