مقدمة في الصحافة
المحاضرة الاولي
الجزء الثاني
نشأة الصحافة في مصر
كانت المرحلة الأولى : هي مرحلة
معرفة الصحافة , أي التعرف عليها , دون إصدارها , وقد تم ذلك على يدى بونابرت فى
أثناء حملتهه الفرنسية
على مصر عام 1789 فقد استخدم مطبعة الحروف التي جلبها معه في طبع صحيفتين فرنسيتين ,
يقرأها جنود الحملة وضباطها .
كانت
الصحيفتان مطبوعتين باللغة الفرنسية بطبيعة الحال , وكانتا تهتمان بنشر الأخبار والموضوعان , التي من شأنها أن ترفع الروح
المعنوية لجنود الحملة , وتطمئنهم على ذويهم في فرنسا , وتنقل إليهم أخبار الوطن .
وبالتالي
شاهد المصريون للمرة الأولى في حياتهم الصحيفة المطبوعة , ولم يكونوا قد شاهدوها
من قبل , وإن لم يقرأوها لأنها مطبوعة باللغة الفرنسية , التي لا يجيدونها .
ولا نستطيع اعتبار هاتين
الصحيفتين صحافة مصرية , لعدة أسباب :
أ-
أن الذي
أصدرها فرنسى أجنبى هو بونابرت .
ب- ولم يكن المصريون يكتبون فيها , بل الفرنسيون .
ج- ولم يكن المصريون يقرأونها , بل جنود الحملة وضباطها .
د- ولم تكن الموضوعات الصحفية ذات صلة بالمجتمع المصرى .
ه-
ولم تكن
أهدافها ( الخفية أو المعلنة ) تمت للشعب المصرى بصلة .
ولذلك تخرج
هذه المرحلة عن نطاق الصحافة المصرية , ولكن يمكننا أن نطلق عليها ( نشأة الصحافة
فى مصر ) , بصرف النظر عن هذه الصحف التى صدرت فى مصر , نشأة الصحافة المصرية
فموضوع آخر , وهو يمثل المرحلة الثانية .
وتبدأ هذه
المرحلة عام 1828 , عندما أنشأ محمد على ( باشا ) صحيفة الوقائع المصرية . والتي
يعتبرها المؤرخون أول صحيفة مصرية , بل وأول صحيفة عربية فى الإطلاق , ولكن ..ما
هى العوامل التى أثرت فى نشأة الصحافة المصرية ؟
لا تعود هذه
العوامل إلى عهد محمد على فقط , ولكن ربما يعود بعضها إلى الفترة التى سبقت توليه
حكم مصر , كما أن هناك عوامل آخرى كان محمد على نفسه صاحبها , وأيضاً خلفاؤه طوال
سنوات القرن التاسع عشر .
1.
الصحوة الفكرية , والتى بدأت
قبل قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر بسنوات , وما إن غادر الفرنسيون مصر عام 1801
حتى تبلورت أكثر , وأخذت أبعاداً جديدة, ثم استكملت حلقاتها فى عصر محمد على .
أ-
قبل الحملة :
فقط صار
المماليك هم الحكام الفعليون للبلاد , واستقل بعضهم عن الدولة العثمانية , وفى نفس
الوقت أخذت القوى الشعبية تقوى , وعلى رأسهم مشايخ الأزهر , الذين كانوا سيطرة
المماليك على الحكم واستئثارهم بالسلطة , وفسادهم فى ممارسة الحكم كأعمال السلب
والنهب , وفى نفس الوقت قام عدد من المشايخ حركة إصلاح وتجديد للأزهر , الذى أصابه
الجمود , ومن أبرز هؤلاء المشايخ الشيخ الشرقاوى .
ب-
أثناء الحملة
:
جاء بونابرت
على رأس حملته العسكرية على مصر , ليستكمل إيقاظ المصريين من غفوتهم , من خلال
الهزة السياسية التى أحدثتها الحملة للقوة الفعلية للمماليك , فقد استيقظ المصريون
على منتجات الحضارة الأوربية الحديثة , التى جلبتها الحملة , والتى يراها المصريون
للمرة الأولى فى حياتهم , فشاهدوا البنادق والمدافع , بعد أن كانت كل معرفتهم
بالأسلحة قاصرة عل السيوف والخناجر , ورأوا آلة حديدية تخرج منهم أوراق مطبوعة طبق
الأصل بعضها من بعض آخر .
كذلك فقط سمع المصريون أفكاراً يرددها جنود الحملة , كانوا أيضاً
يسمعونها لأول مرة , كفكرة الحرية والإخاء والمساواة , وهى المبادئ التى قامت
الثورة الفرنسية , وقد آدى ذلك كله إلى إحداث هزة فكرية وسياسية عنيفة , أيقظت
الشعب المصرى من سباته العميق .
ج-
بعد الحملة :
عاد الصراع
مرة أخرى بعد جلاء الفرنسيين , بين المماليك والعثمانيين , وكانت القوى الشعبية قد
اكتسبت خبرة وجرأة , فبدأت تمارس دورها , والذى تجلى فى الإجماع الشعبى على تولى
محمد على حكم مصر والذى ما إن تولى الحكم حتى تخلص من المماليك فى مذبحة القلعة
الشهيرة , مما فتح الباب أمام مشايخ الأزهر والقوى الشعبية الأخرى لممارسة دورها
الفكرى والثقافى فى البلاد .
2.
بناء الدولة الحديثة :
كان محمد على قد بدأ هذه العملية بمجرد
أن استقرت له الأوضاع فى مصر , وكان لهذا البناء
أثرة
الكبير على إنشاء الصحافة :
أ- إنشاء المؤسسات السياسية : فقسم محمد
على الحكومة التنفيذية إلى دواوين ( وزارات ) , يختص كل ديوان بلون من أنشطة
الدولة , كما أسس مجالس المشورة السياسية , ثم المجلس العالى , بهدف هيئة استشارية
تتولى بعض الأختصاصات التنفيذية .
كذلك اهتم
محمد على ببناء جيش حديث , وهو مؤسسة سياسية وعسكرية فى نفس الوقت , وطبق النمط
الآوربى فى بناء الجيش , وفرض نظام التجنيد الاجبارى وأدخل الأسلحة الحديثة ,
وأنشأ المدارس العسكرية .
ب- الاهتمام بالتعليم : بدأ محمد على خطته الإصلاحية بإنشاء المدارس
النظامية لأول مرة , بدلاً من نظام الكتاتيب , وأهتم بإرسال البعثات العملية إلى
أوربا , خاصة فرنسا وانجلترا وإيطاليا , فضلاً عن إنشائه المدارس العليا (
الجامعات الآن ) كالهندسخانة وغيرها .
وكانت نتيجة
اهتمامه بالتعليم أن تكونت فى مصر نواة لجماعة متعلمة حديثاً , قادت التغيرات
الفكرية والاجتماعية فى البلاد , فزادت درجة الوعى الفكرى والحس السياسى , اللذين
كانا لازمين لإنشاء الصحافة .
ج- إنشاء المطبعة : وهى مطبعة بولاق , التى افتتحها محمد على فى سنة 1821 , وكان فى
ذهنه هدف مزدوج , فقد طبعت فيها الكتب التعليمية التى كانت لازمة لإنشاء المدارس ,
وفى نفس الوقت تمكنت من طبع أول صحيفة فى مصر والعالم العربى وهى ( والوقائع
المصرية ) عام 1828 .
د-
تطوير
الاقتصاد المصرى : فقد اختفى النظام الاقطاعى الذى كان
سائداً أيام المماليك , ليحل محله نظام سيطرة الدولة الكامل على كافة أوجه النشاط
الاقتصادى , وأصبح محمد على هو الزارع الوحيد والصانع والوحيد والتاجر الوحيد ,
وأدخل محاصيل زراعية جديدة كالقطن والدخان , وشق الترع والقنوات وشيد المصارف
والقناطر , مما كان له أثر على زيادة مساحة الأرض المزروعة .
كذلك أرسى
محمد على قاعدة صناعية كبرى لأول مرة فى مصر , فأدخل نظام المصنع بمفهومة الحديث ,
واستخدم الآلات المطورة , وأهتم بتدريب العمال , كما نال النشاط التجارى اهتمام
محمد على , فرصف الطرق واستطاع تأمين طرق التجارة من قطاع الطرق , وأنشأ ترعة
المحمودية للربط بين البحر المتوسط والنيل .
وقد أثرت
هذه التطورات الاقتصادية فى البنية الاجتماعية للمجتمع المصرى , فاختفت طبقة
المماليك تماماً , وحلت محلها طبقة أرستقراطية ذات أصول عثمانية وشركسية , احتلت
كافة المناصب المدنية والعسكرية , وأنعم عليهم محمد على بالأبعديات والعزب , مما
كان يعد بداية لتكوين طبقة كبار ملاك الأراضى الزراعية .
4.
بزوغ التيارات الفكرية : كانت نتيجة
العوامل السابقة مجتمعة , بدأت تطفو على السطح تيارات فكرية وسياسية متباينة
الاتجاه , تبلورت أخذت حجمها الحقيقى فى عهد اسماعيل أواخر القرن التاسع عشر , وكان من
أبرز تلك التيارات :
أ- التيار الإسلامى : ومثله بعض
علماء الأزهر , الذين كانوا يرفضون فكرة التجديد , ولكن فيما بعد صار التيار الإسلامى أكثر استنارة بفضل
انتشار التعليم الحديث وذيوع أفكار جمال الدين الأفغانى , مم أدى إلى صراع بين
الطرفين : أعداء الإصلاح وأنصاره .
وفى هذا
الجو ظهر الشيخ محمد عبده تلميذ الأفغانى , وكانت دعوة عبده تقوم على دعامتين
الأولى : تقديم
الإسلام فى صورته الصحيحة .
الثانية : ربط الدين
بالعصر , وإعادة تفسير الإسلام بما يتفق مع مستجدات العصر , وإصلاح نظام التعليم
الأزهرى بإدخال العلوم الحديثة فيه .
ب-
الاتجاه العلمانى
:
رأى أنصاره
فى حياة العرب الحديثة مثلاً أعلى , وهو لا يتضمن رفض الدين بالضرورة , ولكنه يعنى
أن يكون الدين علاقة خاصة بين الإنسان وربه , دون ربطه بالسياسة أو الحكم .
كان نواة
هذا التيار المصريون الذين تلقوا العلم فى أوربا فى عهد محمد على , فقط كانت فكرة
العثمانية سائدة فى أوربا فى ذلك الوقت , فتأثروا بها , فضلاً عن نشاط حركة
الترجمة إلى العربية , والتى نقلت كثيراً من هذه الأفكار والمعانى إلى المصريين ,
كذلك فإن المهاجرين الشوام إلى مصر لعبوا دوراً بالغ الأثر فى إحياء هذا الاتجاه ,
بتأليف الكتب التى تدعو إليه والتى قامت على فكرة فصل الدين عن الدولة .
5.
الاحتلال البريطانى لمصر :
شهد المسرح السياسى المصرى قبيل احتلال بريطانيا لمصر بروز عدد من القوى , كان
بينها صراع على السلطة , وبطبيعة الحال انتقل هذا الصراع إلى الصحف التى كانت تصدر
عن هذه القوى , مما كان له أبلغ الأثر فى تطور الصحافة المصرية أواخر التاسع عشر .
أ- الثورة العرابية : فقط سار
أحمد عرابى على رأس مظاهرة عسكرية إلى قصر الخديوى توفيق , لتقديم مطالب الأمة ,
وكان هذا فى حد ذاته حدثاً ضخماً لم يسبق له مثيل , والأغرب أن يستجيب الخديوى
لمطالب عرابى , فيعزل الوزارة , ويعين تشكليها , ليدخل محمود سامى البارودى وزيراً
للحربية .
وعندما بدأ
مجلس النواب مناقشة ميزانية الدولة , استقالت الوزارة وشكل البارودى وزارة جديدة ,
يصبح فيها عرابى ( الفلاح المصرى ) وزيراً للحربية , وكان ذلك فى حد ذاته حدثاً
جديداً وغريباً على أوضاع الحكم المصرى .
ب- الاحتلال البريطانى : هددت
انجلترا وفرنسا الإسكندرية بأساطيلها , وذلك لحماية الخديوى توفيق , فسارع عرابى
ورفاقه إلى كفر الدوار لوقف زحف الإنجليز , الذين نزلت قواتهم بالإسكندرية وانهزم
عرابى فى المعركة بعد خيانة البدو الذين رشاهم الإنجليز , وأصدر السلطان العثمانى
منشوراً بعزل عرابى .
وهكذا دخل الإنجليز إلى القاهرة , وألقى
القبض على عرابى وحوكم , وحكم عليه بالنفى إلى جزيرة سيلان , وتم تسريح الجيش وحل
الحزب الوطنى الذى كان يتزعمه عرابى ... وهكذا دخلت مصر فى مرحلة جديدة من تاريخ
كفاحها الوطنى , لعبت فيها الصحافة دوراً بالغ الأثر , فقد صارت لكل قوة من القوى
السياسية المتصارعة صحفها التى تنطق بلسانها , وقد أضيفت إلى هذه القوى : الانجليز
.
نشأة الصحافة المصرية
يمكن تقسيم
هذه النشأة إلى مراحل , تتسم كل مرحلة بسماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ,
التى ألقت بظلها على الصحافة , مما أدى إلى إفراز صحافة مختلفة متميزة فى كل مرحلة
عن المراحل الأخرى .
المرحلة الأولى ( 1822-1862 ) :
أرتبط ظهور
الصحافة المصرية كما سبق أن رأينا بإنشاء الدولة العصرية , التى أرادها محمد على
لمصر , بحيث تكون الصحافة واجهة لهذه الدولة , ومع أن أول صحيفة مصرية وعربية كانت
هى الوقائع المصرية ( 1828 ) , فإن صحيفة أخرى صدرت قبلها بست سنوات( 1822 ) مما
حدا بالمؤرخين إلى إدراجها ضمن المرحلة الأولى , مع أنها ليست صحيفة بالمعنى
المفهوم .
أ- جرنال الخديوى ( 1822 ) :
كانت هى ( جرنال الخديوى ) , التى كانت تضم تقارير ترد من
الأقاليم المصرية المختلفة , تضم أهم الإنجازات وأوجه النشاط , وكانت هذه التقارير
تقدم كل شهر , ثم صارت تقدم كل أسبوع , ومن هنا رأى محمد على أن تصدر نشرة مطبوعة
تضم هذه التقارير المرفوعة إليه .
هى كما نرى
نشرة , وليست صحيفة بالمعنى المتعارف عليه , بل هى لا تحل من سمات الصحيفة إلا
اسمها ( جرنال ) , وكانت تطبع بللغتين
العربية والتركية فى مطبعة القلعة , وكانت تصدر منه مائة نسخة .
ب- الوقائع المصرية ( 1828 ) :
ثم رأى محمد
على بعد أن استقرت نظم حكومته , ألا تقتصر الأخبار على كبار رجال الدولة فقط , لذا
فقد أمر بطبع شئون الحاكم والمحكومين مهاً فى جريدة واحدة , كانت هى ( الوقائع
المصرية ) التى صدرت عام 1828 , وطبعت فى مطبعة بولاق , وكان الهدف الأساسى منها
إعلام الشعب بقرارات ومراسيم محمد على التى يصدرها .
وظهرت
الوقائع بالعربية والتركية فى نفس العدد , ثم صدرت طبعة منفصلة بكل لغة , وزعت على
العلماء وكبار رجال الدولة وتلاميذ المدارس كما أرسلت إلى البلاد التى فتحها محمد
على كالشام والحجاز والسودان , وكان يصدر منها 600 نسخة فقط .
وشيئاً
فشيئاً تطورت الوقائع , فصارت لا تقتصر على نشر القرارات والمراسيم الخديوية , بل
ضمت أيضاً بعض مقالات الرأى وبعض الموضوعات الأدبية والسياسية وفى سنة 1840 انتعشت
أكثر عندما تولى رئاسة التحرير رفاعة الطهطاوى , فبعد أن كانت أصولها تكتب
بالتركية , ثم تترجم إلى العربية , انعكس الوضع فصارت تكتب بالعربية وتترجم إلى
التركية .
ج- الجريدة العسكرية ( 1833 ) :
وصدرت ف
بداية حملة محمد على على الشام , وكانت تصدر مرتين شهرياً , وسجلت تفاصيل انتصارات
جيوش محمد على , لكنها لم تستمر طويلاً , بسبب عدم استقرار الأوضاع العسكرية
المصرية فى الشام .
د- وقائع كريدية :
وصدرت عقب
احتلال محمد على جزيرة كريت , وكانت صورة طبق الأصل من الوقائع , لكنها كانت تكتب
باللغة اليونانية إلى جانب التركية والعربية .
ه- الجرنال الجمعى ( 1847 ) :
صدرت ف بداية عهد إبراهيم باشا ابن محمد
على , وكانت جريدة اقتصادية , تنشر أسعار السلع والبضائع , ومواعيد الزراعات
المختلفة , وأوقات وصول السفن إلى الموانئ , لكن هذه الجريدة توقفت بعد وفاه
إبراهيم باشا .
والملاحظ على صحف هذه المرحلة ما يلى :
v
تنوعت
الإصدارات بين السياسة والاقتصاد والشئون العسكرية , حتى تعبر عن التطور فى هذه
المجالات , وخاصة فى عهد محمد على .
v
انهارت
الزراعة والصناعة والثقافة فى عهد سعيد باشا , خليفة إبراهيم , وتدهورت معها أمور
الصحافة , فاختفى الجرنال الجمعى , ولم تصدر الوقائع معظم سنوات حكمه .
v وتمكن سعيد
باشا من إهداء مطبعة بولاق إلى صديقة عبد الرحمن رشدى , ولم تعد إلى أملاك الدولة
إلا فى عهد إسماعيل .
v
ونلاحظ
أيضاً أن عدد الصحف الصادرة فى عهد محمد على وولديه كان ضئيلاً , بالقياس إلى عدد
الصحف التى صدرت فى المرحلة
التالية , التى تميزت بتطورات عديدة , سياسية واقتصادية واجتماعية , كما سنرى بعد
قليل .
المرحلة الثانية ( 1863-1879 )
وقد حكم الخديوى إسماعيل مصر طوال سنوات هذه المرحلة , ونلاحظ أن هناك نقلتين مهمتين بالنسبة لصحافة هذه المرحلة:
v
نقلة كمية : إذ صدرت فى
هذه المرحلة 23 صحيفة وهو عدد ضخم بالقياس إلى عدد الصحف الصادرة فى المرحلة
الأولى .
v
نقلة نوعية : فقد شهدت
هذه المرحلة تنوعاً غير مسبوق فى الصحف التى صدرت طوال هذه السنوات .
عمل إسماعيل
على معاودة أمجاد جده محمد على فى تأسيس دولة عصرية حديثة , ولكنه قام بمشروعات
يغلب عليها الجانب الشكلى أو
المظهرى , ولذلك لم تعد بفائدة محققة على الشعب المصرى , وإنما استنزفت ثروات
البلاد وماليتها , حتى وقعت مصر فى الديون .
فقط أنفق إسماعيل
أموالاً باهظة , لكى يجعل مصر قطعة من أوربا , فأنشأ القصور الفخمة , وافتتح دار
للأوبرا , افتتحته الإمبراطورة أوجينى , وقد رصف لها شارع الهرم , لكى يسير فيه
موكبها , بهدف زيارة الأهرام ... وغير ذلك الكثير من المشروعات , التى أرهقت
ميزانية البلاد .
وأدت الديون
التى سقطت فيها مصر , إلى التدخل الأجنبى فى شئونها الداخلية , حتى وصل الأمر إلى
دخول وزيرين أجنبيين مجلس الوزراء المصرى , لمراقبة الميزانية المصرية , وحفظاً
لحقوق الدائنين .
وقد أوصل
ذلك كله القوى الشعبية الوطنية إلى السخط على إسماعيل وعهده , فقويت الحركة
الوطنية , التى وجدت فى إصدار الصحف وسيلة مناسبة للتعبير عن سخطها , معارضتها
لنظام الحكم .
وفى الوقت
نفسه كان الافغانى قد أخذ على عاتقه محاربة النظام فى شخص الخديوى , حتى أنه شجع
صحفيين كثيرين على إصدار صحف تذيع أفكاره , مثل يعقوب صنوع , وأديب اسحق .
وكذلك شهدت
هذه الفترة ـ وبسبب تردى أحوال البلاد ـ ظهور عدد من الجمعيات السرية , التى كانت
نواة للأحزاب السياسية فيما بعد مثل جمعية مصر الفتاة , والحزب الوطنى وغيرهما ,
وكان لهذه الجمعيات صحفها التى تنطق بلسانها وتعبر عنها .
(1)الصحافة الرسمية :
أ-
الوقائع
المصرية : استرد إسماعيل مطبعة بولاق من عبد
الرحمن رشدى الذى أهداها إليه سعيد باشا , وعاود إصدار الوقائع , وطورها
تطويراً كبيراً , فنظم أمورها وعين لها أحسن المحررين .
ب- يعسوب الطب ( 1865 ) : وهى من
أقدم الصحف العلمية الطبية فى الشرق كله , وقد طبعت ف مطبعة بولاق , وكانت تعالج
الأمور العلمية بأسلوب سهل يفهمه القارئ , وقد توقفت عام 1877 لأسباب اقتصادية .
ج- الجريدة العسكرية ( 1865 ) : فقد عاودت
الصدور بعد سبق توقفها , وكان يقرأها الجنود والضباط وتلاميذ المدارس العسكرية .
د-
مجلة روضة
المدارس ( 1870 ) : أصدرها على باشا مبارك , نصف شهرية ,
بدأت ب 250 نسخة , زيدت بعد ذلك إلى 700 نسخة , وقد تولى رئاسة تحريرها فى أزهى
فتراتها رفاعة الطهطاوى , وكانت توزع مجاناً عل تلاميذ المدارس .
ه-
جريدة أركان
حرب الجيش المصرى ( 1873 ) : وقد أصدرها
ديوان الجهادية كجريدة شهرية , وكانت صحيفة خاصة بالضباط فقط دون غيرهم , وقد
توقفت عام 1877 لأسباب اقتصادية .
ونلاحظ هنا
أن كثيراً من الصحف الرسمية قد توقفت عام 1877 , أى عند استفحال الأزمة الاقتصادية
فى أواخر عهد إسماعيل , كما كان لانتشار الصحف الأهلية , التى حملت لواء المعارضة
ضد الحكومة , حتى لم يعد الرأى العام يستسيغ وجود الصحف الرسمية .
(2) الصحافة الأهلية :
رأينا منذ
قليل كيف أن إسماعيل أراد أن يجعل من مصر قطعة من أوربا الحديثة , وهو ما دفعة إلى
إنشاء مجلس شورى النواب عام 1866 , وكان لابد بالتالى من وجود صحافة شعبية تعبر عن
هذا المجلس , وتكمل صورة مصر الحديثة , كما أرادها إسماعيل , فالدول الأوربية
المتقدمة فيها برلمان يمثل الأمة , وفيها صحافة حرة تمارس دورها فى المجتمع .
ومن ناحية
أخرى أراد إسماعيل أن يرد عل خصومة ومهاجميه , سواء من الوطنين المصريين أو من الأجانب
المقيمين فى مصر , وكان
لابد أن تقوم بهذا الدور صحف غير رسمية , تشيد بإسماعيل وإنجازاته .
ومن العوامل
الأخرى التى ساعد على قيام صحف أهلية , هجرة عديد من الصحفيين الشوام إلى القاهرة
, فقد اشتد عسف السلطان العثمانى عبد الحميد , الذى قيد حرية الصحافة وهم من
ناحيتهم وجدوا مصر هى أقرب الدول إليهم , فهاجروا إليها ومارسوا الصحافة فيها , من
خلال الصحف العديدة التى أنشأوها .ولا نستطيع أن نغفل الدور الذى لعبة جمال الدين
الأفغانى , حيث وجدت دعوته صدى طيباً فى نفوس المصريين , مما دفعه ـ كما سبق أن
ذكرنا ـ إلى تشجيع عدد كبير من الصحف , التى تنطق بلسان دعوته الإصلاحية .
وقبل ذلك
كله فلا ننسى أن الأوضاع المتردية فى مصر , خاصة من الناحية الاقتصادية , كانت
مجالاً خصباًَ للصحف الأهلية لنقد نظام إسماعيل , فصارت تعدد مساوئ حكمه , وإسرافه
فى غير ما يفيد المصريين ,حتى سقطت مصر فى براثن الديون , التى كانت فاتحة التدخل
الأجنبى فى شئون مصر , والتى أفضت فيما بعد إلى الاحتلال البريطانى .
ومن أهم
الصحف الأهلية التى صدرت فى عهد إسماعيل , مرتبة زمنياً حسب تاريخ صدورها :
أ-
وادى النيل (
1867 ) : والتى ارتبط ظهورها بإنشاء مجلس شورى
النواب . وكان صاحبها ورئيس تحريرها هو عبد الله أبو السعود , أحد تلاميذ الأفغانى
, وقد صدرت هذه الصحيفة بإيعاز من اسماعيل , ثم توقفت بوفاة صاحبها عام 1878 .
ب- نزهة الأفكار ( 1869 ) : وكانت
سياسية اسبوعية , ومثلت بداية الصحافة الأهلية المستقلة عن الحكومة , وهى أول من
بدأت تنقد الخديوى والجيش , مما دفع إسماعيل إلى إغلاقها .
ج- الكوكب الشرقى ( 1873 ) : وقد بدأت
أسبوعية , ثم تحولت إلى الصدور اليومى , هى أول صحيفة يومية مصرية .
د-
روضة الأخبار
( 1875 ) : وصدرت أيضاً بتشجيع من إسماعيل , وكان
مؤسسها هو محمد أنس ابن عبد الله أبو السعود صاحب وادى النيل , وكانت تصدر ثلاث
مرات فى الأسبوع , وحتى توقفت عام 1878 .
ه-
الأهرام (
1875 ) : أسسها الأخوان اللبنانيان سليم وبشارة
تقلا بالإسكندرية , وقد اهتمت فى بداية عهدها بالأخبار المحلية العادية , دون أن
يكون لها هدف سياسى واضح , وقد انتقلت إلى القاهرة عام 1878 , وتحولت مع هذا الانتقال
إلى الصدور اليومى .
و- شعاع الكوكب ( 1876 ): وأصدرها بالإسكندرية
سليم الحموى , وكانت امتداداً لصحيفة الكوكب الشرقى .
ز-
أبو نظارة (
1877 ) : وأصدرها
يعقوب صنوع , وهى أول صحيفة فكاهية ساخرة فى العالم العربى , وكان صاحبها أحد
تلاميذ الأفغانى , وقد انتقدت إسماعيل والحكومة نقداً عنيفاً , فأغلقها , وأمر
بنفى يعقوب إلى باريس , فعاود إصدارها بأسماء أخرى ( أبو نظارة زرقاء ـ أبو زمارة
ـ أبو صفارة ) هرباً من الرقابة , وكانت بعض النسخ تتسلل إلى القاهرة
ح- مصر ( 1877 ) : أصدرها الأديب
السورى أديب اسحق تلميذ الأفغانى , وكانت تصدر بالقاهرة ثم انتقلت إلى الإسكندرية
, وقامت بدور كبير فى نقد الحكومة .
ط-
التجارة (
1878 ) : أصدرها أديب اسحق أيضاً , وكانت امتداداً
لصحيفة مصر , وسارت على نفس نهجها فى نقد الحكومة , حتى صدر
قرار بإغلاق الصحيفتين عام 1879 .
ي- الوطن ( 1877 ) : أصدرها
ميخائيل عبد السيد , وكانت تهتم بالأخبار الخارجية أكثر من الأمور الداخلية .
ك-
مرآة الشرق (
1879 ) : أسسها أحد
الصحفيين الشوام من تلاميذ الأفغانى , وكانت لسان
حال الحزب الوطنى فى نهاية عصر إسماعيل
المرحلة الثالثة ( 1880- 1899 ) :
ايدت بعض الصحف ثورة عرابى كالتنكيت والتبكيت و الطائف والمفيد حتى الوقائع
وهناك صحف وقفت على الحياد بين الوطنيين و الانجليز مثل الاتحاد المصرى و الحجاز و
مراة الشرق اما الصحف المعارضة لعرابى فكان اهمها صحيفتى البرهان والاعتدال .
وفى السنوات الاولى من الاحتلال البريطانى لمصر تميزت
الصحافة المصرية بما يلى :
·
ظهور صحف جديدة موالية للاحتلال بتشجيع من الانجليز ومن بينها : الاعلام و
المقطم و الزمان و النيل .
·
تحول بعض الصحف الوطنية الى ممالاة الاحتلال بعد هزيمة عرابى مثل الوطن
,الزمان ,مراة الشرق .
· ازدياد العناصر غير المصرية فى الصحافة
,بتشجيع الانجليز ,حتى كانت الاهرام مثلا ميالة الى فرنسا و المقطم الى انجلترا
,وكان للدولة العثمانية صحف مثل : القاهرة والفلاح .
·
الاكثار من الصحف غير السياسية لصرف انظار الناس عن الاهتمام بالسياسة
·
ظهور صحف يهودية فى مصر بتشجيع الانجليز مثل نهضة اسرائيل.
ظهور صحف وطنية
جديدة , فالوطنيون قاوموا ولم يستسلموا ,واصدروا عددا من الصحف الوطنية مثل المؤيد , المقياس ,الاستاذ ,العروة الوثقى
0 التعليقات:
إرسال تعليق