15‏/12‏/2013
الأحد, ديسمبر 15, 2013

المحاضرة الاولي (ج 2) ... مقدمة في الصحافة

مقدمة في الصحافة 
المحاضرة الاولي
الجزء الثاني

 





     نشأة الصحافة في مصر


كانت المرحلة الأولى : هي مرحلة معرفة الصحافة , أي التعرف عليها , دون إصدارها , وقد تم ذلك على يدى بونابرت فى أثناء حملتهه الفرنسية على مصر عام 1789  فقد استخدم مطبعة الحروف التي جلبها معه في طبع صحيفتين فرنسيتين , يقرأها جنود الحملة وضباطها .
كانت الصحيفتان مطبوعتين باللغة الفرنسية بطبيعة الحال , وكانتا تهتمان بنشر الأخبار والموضوعان , التي من شأنها أن ترفع الروح المعنوية لجنود الحملة , وتطمئنهم على ذويهم في فرنسا , وتنقل إليهم أخبار الوطن .
وبالتالي شاهد المصريون للمرة الأولى في حياتهم الصحيفة المطبوعة , ولم يكونوا قد شاهدوها من قبل , وإن لم يقرأوها لأنها مطبوعة باللغة الفرنسية , التي لا يجيدونها .
ولا نستطيع اعتبار هاتين الصحيفتين صحافة مصرية , لعدة أسباب :
          ‌أ-       أن الذي أصدرها فرنسى أجنبى هو بونابرت .
        ‌ب-     ولم يكن المصريون يكتبون فيها , بل الفرنسيون .
        ‌ج-    ولم يكن المصريون يقرأونها , بل جنود الحملة وضباطها .
         ‌د-     ولم تكن الموضوعات الصحفية ذات صلة بالمجتمع المصرى .
         ‌ه-       ولم تكن أهدافها ( الخفية أو المعلنة ) تمت للشعب المصرى بصلة .
ولذلك تخرج هذه المرحلة عن نطاق الصحافة المصرية , ولكن يمكننا أن نطلق عليها ( نشأة الصحافة فى مصر ) , بصرف النظر عن هذه الصحف التى صدرت فى مصر , نشأة الصحافة المصرية فموضوع آخر , وهو يمثل المرحلة الثانية .
وتبدأ هذه المرحلة عام 1828 , عندما أنشأ محمد على ( باشا ) صحيفة الوقائع المصرية . والتي يعتبرها المؤرخون أول صحيفة مصرية , بل وأول صحيفة عربية فى الإطلاق , ولكن ..ما هى العوامل التى أثرت فى نشأة الصحافة المصرية ؟
لا تعود هذه العوامل إلى عهد محمد على فقط , ولكن ربما يعود بعضها إلى الفترة التى سبقت توليه حكم مصر , كما أن هناك عوامل آخرى كان محمد على نفسه صاحبها , وأيضاً خلفاؤه طوال سنوات القرن التاسع عشر .
1.    الصحوة الفكرية , والتى بدأت قبل قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر بسنوات , وما إن غادر الفرنسيون مصر عام 1801 حتى تبلورت أكثر , وأخذت أبعاداً جديدة, ثم استكملت حلقاتها فى عصر محمد على .
      ‌أ-            قبل الحملة :
فقط صار المماليك هم الحكام الفعليون للبلاد , واستقل بعضهم عن الدولة العثمانية , وفى نفس الوقت أخذت القوى الشعبية تقوى , وعلى رأسهم مشايخ الأزهر , الذين كانوا سيطرة المماليك على الحكم واستئثارهم بالسلطة , وفسادهم فى ممارسة الحكم كأعمال السلب والنهب , وفى نفس الوقت قام عدد من المشايخ حركة إصلاح وتجديد للأزهر , الذى أصابه الجمود , ومن أبرز هؤلاء المشايخ الشيخ الشرقاوى .
    ‌ب-         أثناء الحملة :
جاء بونابرت على رأس حملته العسكرية على مصر , ليستكمل إيقاظ المصريين من غفوتهم , من خلال الهزة السياسية التى أحدثتها الحملة للقوة الفعلية للمماليك , فقد استيقظ المصريون على منتجات الحضارة الأوربية الحديثة , التى جلبتها الحملة , والتى يراها المصريون للمرة الأولى فى حياتهم , فشاهدوا البنادق والمدافع , بعد أن كانت كل معرفتهم بالأسلحة قاصرة عل السيوف والخناجر , ورأوا آلة حديدية تخرج منهم أوراق مطبوعة طبق الأصل بعضها من بعض آخر .
كذلك فقط سمع المصريون أفكاراً يرددها جنود الحملة , كانوا أيضاً يسمعونها لأول مرة , كفكرة الحرية والإخاء والمساواة , وهى المبادئ التى قامت الثورة الفرنسية , وقد آدى ذلك كله إلى إحداث هزة فكرية وسياسية عنيفة , أيقظت الشعب المصرى من سباته العميق .
    ‌ج-         بعد الحملة :
عاد الصراع مرة أخرى بعد جلاء الفرنسيين , بين المماليك والعثمانيين , وكانت القوى الشعبية قد اكتسبت خبرة وجرأة , فبدأت تمارس دورها , والذى تجلى فى الإجماع الشعبى على تولى محمد على حكم مصر والذى ما إن تولى الحكم حتى تخلص من المماليك فى مذبحة القلعة الشهيرة , مما فتح الباب أمام مشايخ الأزهر والقوى الشعبية الأخرى لممارسة دورها الفكرى والثقافى فى البلاد .



2.          بناء الدولة الحديثة :
كان محمد على قد بدأ هذه العملية بمجرد أن استقرت له الأوضاع فى مصر , وكان لهذا البناء

أثرة الكبير على إنشاء الصحافة :
‌أ-    إنشاء المؤسسات السياسية : فقسم محمد على الحكومة التنفيذية إلى دواوين ( وزارات ) , يختص كل ديوان بلون من أنشطة الدولة , كما أسس مجالس المشورة السياسية , ثم المجلس العالى , بهدف هيئة استشارية تتولى بعض الأختصاصات التنفيذية .
كذلك اهتم محمد على ببناء جيش حديث , وهو مؤسسة سياسية وعسكرية فى نفس الوقت , وطبق النمط الآوربى فى بناء الجيش , وفرض نظام التجنيد الاجبارى وأدخل الأسلحة الحديثة , وأنشأ المدارس العسكرية .
 ‌ب-  الاهتمام بالتعليم :  بدأ محمد على خطته الإصلاحية بإنشاء المدارس النظامية لأول مرة , بدلاً من نظام الكتاتيب , وأهتم بإرسال البعثات العملية إلى أوربا , خاصة فرنسا وانجلترا وإيطاليا , فضلاً عن إنشائه المدارس العليا ( الجامعات الآن ) كالهندسخانة وغيرها .
وكانت نتيجة اهتمامه بالتعليم أن تكونت فى مصر نواة لجماعة متعلمة حديثاً , قادت التغيرات الفكرية والاجتماعية فى البلاد , فزادت درجة الوعى الفكرى والحس السياسى , اللذين كانا لازمين لإنشاء الصحافة .
 ‌ج-  إنشاء المطبعة : وهى مطبعة بولاق , التى افتتحها محمد على فى سنة 1821 , وكان فى ذهنه هدف مزدوج , فقد طبعت فيها الكتب التعليمية التى كانت لازمة لإنشاء المدارس , وفى نفس الوقت تمكنت من طبع أول صحيفة فى مصر والعالم العربى وهى ( والوقائع المصرية ) عام 1828 .
  ‌د-  تطوير الاقتصاد المصرى : فقد اختفى النظام الاقطاعى الذى كان سائداً أيام المماليك , ليحل محله نظام سيطرة الدولة الكامل على كافة أوجه النشاط الاقتصادى , وأصبح محمد على هو الزارع الوحيد والصانع والوحيد والتاجر الوحيد , وأدخل محاصيل زراعية جديدة كالقطن والدخان , وشق الترع والقنوات وشيد المصارف والقناطر , مما كان له أثر على زيادة مساحة الأرض المزروعة .
كذلك أرسى محمد على قاعدة صناعية كبرى لأول مرة فى مصر , فأدخل نظام المصنع بمفهومة الحديث , واستخدم الآلات المطورة , وأهتم بتدريب العمال , كما نال النشاط التجارى اهتمام محمد على , فرصف الطرق واستطاع تأمين طرق التجارة من قطاع الطرق , وأنشأ ترعة المحمودية للربط بين البحر المتوسط والنيل .
وقد أثرت هذه التطورات الاقتصادية فى البنية الاجتماعية للمجتمع المصرى , فاختفت طبقة المماليك تماماً , وحلت محلها طبقة أرستقراطية ذات أصول عثمانية وشركسية , احتلت كافة المناصب المدنية والعسكرية , وأنعم عليهم محمد على بالأبعديات والعزب , مما كان يعد بداية لتكوين طبقة كبار ملاك الأراضى الزراعية .
4.  بزوغ التيارات الفكرية : كانت نتيجة العوامل السابقة مجتمعة , بدأت تطفو على السطح تيارات فكرية وسياسية متباينة الاتجاه , تبلورت أخذت حجمها الحقيقى فى عهد اسماعيل أواخر القرن التاسع عشر , وكان من أبرز تلك التيارات :
  أ‌-   التيار الإسلامى : ومثله بعض علماء الأزهر , الذين كانوا يرفضون فكرة التجديد , ولكن فيما بعد صار التيار الإسلامى أكثر استنارة بفضل انتشار التعليم الحديث وذيوع أفكار جمال الدين الأفغانى , مم أدى إلى صراع بين الطرفين : أعداء الإصلاح وأنصاره .
وفى هذا الجو ظهر الشيخ محمد عبده تلميذ الأفغانى , وكانت دعوة عبده تقوم على دعامتين
الأولى : تقديم الإسلام فى صورته الصحيحة .
 الثانية : ربط الدين بالعصر , وإعادة تفسير الإسلام بما يتفق مع مستجدات العصر , وإصلاح نظام التعليم الأزهرى بإدخال العلوم الحديثة فيه .
  ب‌-      الاتجاه العلمانى :
رأى أنصاره فى حياة العرب الحديثة مثلاً أعلى , وهو لا يتضمن رفض الدين بالضرورة , ولكنه يعنى أن يكون الدين علاقة خاصة بين الإنسان وربه , دون ربطه بالسياسة أو الحكم .
كان نواة هذا التيار المصريون الذين تلقوا العلم فى أوربا فى عهد محمد على , فقط كانت فكرة العثمانية سائدة فى أوربا فى ذلك الوقت , فتأثروا بها , فضلاً عن نشاط حركة الترجمة إلى العربية , والتى نقلت كثيراً من هذه الأفكار والمعانى إلى المصريين , كذلك فإن المهاجرين الشوام إلى مصر لعبوا دوراً بالغ الأثر فى إحياء هذا الاتجاه , بتأليف الكتب التى تدعو إليه والتى قامت على فكرة فصل الدين عن الدولة .


5.   الاحتلال البريطانى لمصر :
شهد المسرح السياسى المصرى قبيل احتلال بريطانيا لمصر بروز عدد من القوى , كان بينها صراع على السلطة , وبطبيعة الحال انتقل هذا الصراع إلى الصحف التى كانت تصدر عن هذه القوى , مما كان له أبلغ الأثر فى تطور الصحافة المصرية أواخر التاسع عشر .
  أ‌-   الثورة العرابية : فقط سار أحمد عرابى على رأس مظاهرة عسكرية إلى قصر الخديوى توفيق , لتقديم مطالب الأمة , وكان هذا فى حد ذاته حدثاً ضخماً لم يسبق له مثيل , والأغرب أن يستجيب الخديوى لمطالب عرابى , فيعزل الوزارة , ويعين تشكليها , ليدخل محمود سامى البارودى وزيراً للحربية .
وعندما بدأ مجلس النواب مناقشة ميزانية الدولة , استقالت الوزارة وشكل البارودى وزارة جديدة , يصبح فيها عرابى ( الفلاح المصرى ) وزيراً للحربية , وكان ذلك فى حد ذاته حدثاً جديداً وغريباً على أوضاع الحكم المصرى .
  ب‌-  الاحتلال البريطانى : هددت انجلترا وفرنسا الإسكندرية بأساطيلها , وذلك لحماية الخديوى توفيق , فسارع عرابى ورفاقه إلى كفر الدوار لوقف زحف الإنجليز , الذين نزلت قواتهم بالإسكندرية وانهزم عرابى فى المعركة بعد خيانة البدو الذين رشاهم الإنجليز , وأصدر السلطان العثمانى منشوراً بعزل عرابى .
وهكذا دخل الإنجليز إلى القاهرة , وألقى القبض على عرابى وحوكم , وحكم عليه بالنفى إلى جزيرة سيلان , وتم تسريح الجيش وحل الحزب الوطنى الذى كان يتزعمه عرابى ... وهكذا دخلت مصر فى مرحلة جديدة من تاريخ كفاحها الوطنى , لعبت فيها الصحافة دوراً بالغ الأثر , فقد صارت لكل قوة من القوى السياسية المتصارعة صحفها التى تنطق بلسانها , وقد أضيفت إلى هذه القوى : الانجليز .
نشأة الصحافة المصرية
يمكن تقسيم هذه النشأة إلى مراحل , تتسم كل مرحلة بسماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية , التى ألقت بظلها على الصحافة , مما أدى إلى إفراز صحافة مختلفة متميزة فى كل مرحلة عن المراحل الأخرى .
المرحلة الأولى ( 1822-1862 ) :
أرتبط ظهور الصحافة المصرية كما سبق أن رأينا بإنشاء الدولة العصرية , التى أرادها محمد على لمصر , بحيث تكون الصحافة واجهة لهذه الدولة , ومع أن أول صحيفة مصرية وعربية كانت هى الوقائع المصرية ( 1828 ) , فإن صحيفة أخرى صدرت قبلها بست سنوات( 1822 ) مما حدا بالمؤرخين إلى إدراجها ضمن المرحلة الأولى , مع أنها ليست صحيفة بالمعنى المفهوم .
      ‌أ-       جرنال الخديوى ( 1822 ) :
كانت هى ( جرنال الخديوى ) , التى كانت تضم تقارير ترد من الأقاليم المصرية المختلفة , تضم أهم الإنجازات وأوجه النشاط , وكانت هذه التقارير تقدم كل شهر , ثم صارت تقدم كل أسبوع , ومن هنا رأى محمد على أن تصدر نشرة مطبوعة تضم هذه التقارير المرفوعة إليه .
هى كما نرى نشرة , وليست صحيفة بالمعنى المتعارف عليه , بل هى لا تحل من سمات الصحيفة إلا اسمها ( جرنال ) , وكانت تطبع بللغتين العربية والتركية فى مطبعة القلعة , وكانت تصدر منه مائة نسخة .
    ‌ب-    الوقائع المصرية ( 1828 ) :
ثم رأى محمد على بعد أن استقرت نظم حكومته , ألا تقتصر الأخبار على كبار رجال الدولة فقط , لذا فقد أمر بطبع شئون الحاكم والمحكومين مهاً فى جريدة واحدة , كانت هى ( الوقائع المصرية ) التى صدرت عام 1828 , وطبعت فى مطبعة بولاق , وكان الهدف الأساسى منها إعلام الشعب بقرارات ومراسيم محمد على التى يصدرها .
وظهرت الوقائع بالعربية والتركية فى نفس العدد , ثم صدرت طبعة منفصلة بكل لغة , وزعت على العلماء وكبار رجال الدولة وتلاميذ المدارس كما أرسلت إلى البلاد التى فتحها محمد على كالشام والحجاز والسودان , وكان يصدر منها 600 نسخة فقط .
وشيئاً فشيئاً تطورت الوقائع , فصارت لا تقتصر على نشر القرارات والمراسيم الخديوية , بل ضمت أيضاً بعض مقالات الرأى وبعض الموضوعات الأدبية والسياسية وفى سنة 1840 انتعشت أكثر عندما تولى رئاسة التحرير رفاعة الطهطاوى , فبعد أن كانت أصولها تكتب بالتركية , ثم تترجم إلى العربية , انعكس الوضع فصارت تكتب بالعربية وتترجم إلى التركية .
    ‌ج-     الجريدة العسكرية ( 1833 ) :
وصدرت ف بداية حملة محمد على على الشام , وكانت تصدر مرتين شهرياً , وسجلت تفاصيل انتصارات جيوش محمد على , لكنها لم تستمر طويلاً , بسبب عدم استقرار الأوضاع العسكرية المصرية فى الشام .
     ‌د-      وقائع كريدية :
وصدرت عقب احتلال محمد على جزيرة كريت , وكانت صورة طبق الأصل من الوقائع , لكنها كانت تكتب باللغة اليونانية إلى جانب التركية والعربية .
     ‌ه-      الجرنال الجمعى ( 1847 ) :
صدرت ف بداية عهد إبراهيم باشا ابن محمد على , وكانت جريدة اقتصادية , تنشر أسعار السلع والبضائع , ومواعيد الزراعات المختلفة , وأوقات وصول السفن إلى الموانئ , لكن هذه الجريدة توقفت بعد وفاه إبراهيم باشا .
والملاحظ على صحف هذه المرحلة ما يلى :
v  تنوعت الإصدارات بين السياسة والاقتصاد والشئون العسكرية , حتى تعبر عن التطور فى هذه المجالات , وخاصة فى عهد    محمد على .
v  انهارت الزراعة والصناعة والثقافة فى عهد سعيد باشا , خليفة إبراهيم , وتدهورت معها أمور الصحافة , فاختفى الجرنال الجمعى , ولم تصدر الوقائع معظم سنوات حكمه .
v    وتمكن سعيد باشا من إهداء مطبعة بولاق إلى صديقة عبد الرحمن رشدى , ولم تعد إلى أملاك الدولة إلا فى عهد إسماعيل .
v  ونلاحظ أيضاً أن عدد الصحف الصادرة فى عهد محمد على وولديه كان ضئيلاً , بالقياس إلى عدد الصحف التى صدرت فى   المرحلة التالية , التى تميزت بتطورات عديدة , سياسية واقتصادية واجتماعية , كما سنرى بعد قليل .
المرحلة الثانية ( 1863-1879 )
وقد حكم الخديوى إسماعيل مصر طوال سنوات هذه المرحلة , ونلاحظ أن هناك نقلتين مهمتين بالنسبة لصحافة هذه المرحلة:
v نقلة كمية : إذ صدرت فى هذه المرحلة 23 صحيفة وهو عدد ضخم بالقياس إلى عدد الصحف الصادرة فى المرحلة الأولى .
v نقلة نوعية : فقد شهدت هذه المرحلة تنوعاً غير مسبوق فى الصحف التى صدرت طوال هذه السنوات .
عمل إسماعيل على معاودة أمجاد جده محمد على فى تأسيس دولة عصرية حديثة , ولكنه قام بمشروعات يغلب عليها الجانب    الشكلى أو المظهرى , ولذلك لم تعد بفائدة محققة على الشعب المصرى , وإنما استنزفت ثروات البلاد وماليتها , حتى وقعت مصر فى الديون .
فقط أنفق إسماعيل أموالاً باهظة , لكى يجعل مصر قطعة من أوربا , فأنشأ القصور الفخمة , وافتتح دار للأوبرا , افتتحته الإمبراطورة أوجينى , وقد رصف لها شارع الهرم , لكى يسير فيه موكبها , بهدف زيارة الأهرام ... وغير ذلك الكثير من المشروعات , التى أرهقت ميزانية البلاد .
وأدت الديون التى سقطت فيها مصر , إلى التدخل الأجنبى فى شئونها الداخلية , حتى وصل الأمر إلى دخول وزيرين أجنبيين مجلس الوزراء المصرى , لمراقبة الميزانية المصرية , وحفظاً لحقوق الدائنين .
وقد أوصل ذلك كله القوى الشعبية الوطنية إلى السخط على إسماعيل وعهده , فقويت الحركة الوطنية , التى وجدت فى إصدار الصحف وسيلة مناسبة للتعبير عن سخطها , معارضتها لنظام الحكم .
وفى الوقت نفسه كان الافغانى قد أخذ على عاتقه محاربة النظام فى شخص الخديوى , حتى أنه شجع صحفيين كثيرين على إصدار صحف تذيع أفكاره , مثل يعقوب صنوع , وأديب اسحق .
وكذلك شهدت هذه الفترة ـ وبسبب تردى أحوال البلاد ـ ظهور عدد من الجمعيات السرية , التى كانت نواة للأحزاب السياسية فيما بعد مثل جمعية مصر الفتاة , والحزب الوطنى وغيرهما , وكان لهذه الجمعيات صحفها التى تنطق بلسانها وتعبر عنها .

(1)الصحافة الرسمية :

  ‌أ-  الوقائع المصرية : استرد إسماعيل مطبعة بولاق من عبد الرحمن رشدى الذى أهداها إليه سعيد باشا , وعاود إصدار الوقائع ,    وطورها تطويراً كبيراً , فنظم أمورها وعين لها أحسن المحررين .
 ‌ب- يعسوب الطب ( 1865 ) : وهى من أقدم الصحف العلمية الطبية فى الشرق كله , وقد طبعت ف مطبعة بولاق , وكانت تعالج الأمور العلمية بأسلوب سهل يفهمه القارئ , وقد توقفت عام 1877 لأسباب اقتصادية .
 ‌ج-  الجريدة العسكرية ( 1865 ) : فقد عاودت الصدور بعد سبق توقفها , وكان يقرأها الجنود والضباط وتلاميذ المدارس العسكرية .
  ‌د-  مجلة روضة المدارس ( 1870 ) : أصدرها على باشا مبارك , نصف شهرية , بدأت ب 250 نسخة , زيدت بعد ذلك إلى 700 نسخة , وقد تولى رئاسة تحريرها فى أزهى فتراتها رفاعة الطهطاوى , وكانت توزع مجاناً عل تلاميذ المدارس .
  ‌ه-  جريدة أركان حرب الجيش المصرى ( 1873 ) : وقد أصدرها ديوان الجهادية كجريدة شهرية , وكانت صحيفة خاصة بالضباط فقط دون غيرهم , وقد توقفت عام 1877 لأسباب اقتصادية .
ونلاحظ هنا أن كثيراً من الصحف الرسمية قد توقفت عام 1877 , أى عند استفحال الأزمة الاقتصادية فى أواخر عهد إسماعيل , كما كان لانتشار الصحف الأهلية , التى حملت لواء المعارضة ضد الحكومة , حتى لم يعد الرأى العام يستسيغ وجود الصحف الرسمية .

(2) الصحافة الأهلية :

رأينا منذ قليل كيف أن إسماعيل أراد أن يجعل من مصر قطعة من أوربا الحديثة , وهو ما دفعة إلى إنشاء مجلس شورى النواب عام 1866 , وكان لابد بالتالى من وجود صحافة شعبية تعبر عن هذا المجلس , وتكمل صورة مصر الحديثة , كما أرادها إسماعيل , فالدول الأوربية المتقدمة فيها برلمان يمثل الأمة , وفيها صحافة حرة تمارس دورها فى المجتمع .
ومن ناحية أخرى أراد إسماعيل أن يرد عل خصومة ومهاجميه , سواء من الوطنين المصريين أو من الأجانب المقيمين فى  مصر , وكان لابد أن تقوم بهذا الدور صحف غير رسمية , تشيد بإسماعيل وإنجازاته .
ومن العوامل الأخرى التى ساعد على قيام صحف أهلية , هجرة عديد من الصحفيين الشوام إلى القاهرة , فقد اشتد عسف السلطان العثمانى عبد الحميد , الذى قيد حرية الصحافة وهم من ناحيتهم وجدوا مصر هى أقرب الدول إليهم , فهاجروا إليها ومارسوا الصحافة فيها , من خلال الصحف العديدة التى أنشأوها .ولا نستطيع أن نغفل الدور الذى لعبة جمال الدين الأفغانى , حيث وجدت دعوته صدى طيباً فى نفوس المصريين , مما دفعه ـ كما سبق أن ذكرنا ـ إلى تشجيع عدد كبير من الصحف , التى تنطق بلسان دعوته الإصلاحية .
وقبل ذلك كله فلا ننسى أن الأوضاع المتردية فى مصر , خاصة من الناحية الاقتصادية , كانت مجالاً خصباًَ للصحف الأهلية لنقد نظام إسماعيل , فصارت تعدد مساوئ حكمه , وإسرافه فى غير ما يفيد المصريين ,حتى سقطت مصر فى براثن الديون , التى كانت فاتحة التدخل الأجنبى فى شئون مصر , والتى أفضت فيما بعد إلى الاحتلال البريطانى .


ومن أهم الصحف الأهلية التى صدرت فى عهد إسماعيل , مرتبة زمنياً حسب تاريخ صدورها :
  ‌أ-  وادى النيل ( 1867 ) : والتى ارتبط ظهورها بإنشاء مجلس شورى النواب . وكان صاحبها ورئيس تحريرها هو عبد الله أبو السعود , أحد تلاميذ الأفغانى , وقد صدرت هذه الصحيفة بإيعاز من اسماعيل , ثم توقفت بوفاة صاحبها عام 1878 .
 ‌ب-  نزهة الأفكار ( 1869 ) : وكانت سياسية اسبوعية , ومثلت بداية الصحافة الأهلية المستقلة عن الحكومة , وهى أول من بدأت تنقد الخديوى والجيش , مما دفع إسماعيل إلى إغلاقها .
 ‌ج-  الكوكب الشرقى ( 1873 ) : وقد بدأت أسبوعية , ثم تحولت إلى الصدور اليومى , هى أول صحيفة يومية مصرية .
  ‌د-  روضة الأخبار ( 1875 ) : وصدرت أيضاً بتشجيع من إسماعيل , وكان مؤسسها هو محمد أنس ابن عبد الله أبو السعود صاحب وادى النيل , وكانت تصدر ثلاث مرات فى الأسبوع , وحتى توقفت عام 1878 .
  ‌ه-  الأهرام ( 1875 ) : أسسها الأخوان اللبنانيان سليم وبشارة تقلا بالإسكندرية , وقد اهتمت فى بداية عهدها بالأخبار المحلية العادية , دون أن يكون لها هدف سياسى واضح , وقد انتقلت إلى القاهرة عام 1878 , وتحولت مع هذا الانتقال إلى الصدور اليومى .
    ‌و-     شعاع الكوكب ( 1876 ): وأصدرها بالإسكندرية سليم الحموى , وكانت امتداداً لصحيفة الكوكب الشرقى .
  ‌ز-  أبو نظارة ( 1877 ) :        وأصدرها يعقوب صنوع , وهى أول صحيفة فكاهية ساخرة فى العالم العربى , وكان صاحبها أحد تلاميذ الأفغانى , وقد انتقدت إسماعيل والحكومة نقداً عنيفاً , فأغلقها , وأمر بنفى يعقوب إلى باريس , فعاود إصدارها بأسماء أخرى ( أبو نظارة زرقاء ـ أبو زمارة ـ أبو صفارة ) هرباً من الرقابة , وكانت بعض النسخ تتسلل إلى القاهرة
 ‌ح-  مصر ( 1877 ) : أصدرها الأديب السورى أديب اسحق تلميذ الأفغانى , وكانت تصدر بالقاهرة ثم انتقلت إلى الإسكندرية , وقامت بدور كبير فى نقد الحكومة .
  ‌ط-  التجارة ( 1878 ) : أصدرها أديب اسحق أيضاً , وكانت امتداداً لصحيفة مصر , وسارت على نفس نهجها فى نقد الحكومة ,   حتى صدر قرار بإغلاق الصحيفتين عام 1879 .
   ‌ي-    الوطن ( 1877 ) : أصدرها ميخائيل عبد السيد , وكانت تهتم بالأخبار الخارجية أكثر من الأمور الداخلية .
  ‌ك-  مرآة الشرق ( 1879 )  : أسسها أحد الصحفيين الشوام من تلاميذ الأفغانى ,  وكانت لسان حال الحزب الوطنى فى نهاية عصر  إسماعيل


المرحلة الثالثة ( 1880- 1899 ) :
ايدت بعض الصحف ثورة عرابى كالتنكيت والتبكيت و الطائف والمفيد حتى الوقائع وهناك صحف وقفت على الحياد بين الوطنيين و الانجليز مثل الاتحاد المصرى و الحجاز و مراة الشرق اما الصحف المعارضة لعرابى فكان اهمها صحيفتى البرهان والاعتدال .
وفى السنوات الاولى من الاحتلال البريطانى لمصر تميزت الصحافة المصرية بما يلى :
·        ظهور صحف جديدة موالية للاحتلال بتشجيع من الانجليز ومن بينها : الاعلام و المقطم و الزمان و النيل .
·        تحول بعض الصحف الوطنية الى ممالاة الاحتلال بعد هزيمة عرابى مثل الوطن ,الزمان ,مراة الشرق .
·   ازدياد العناصر غير المصرية فى الصحافة ,بتشجيع الانجليز ,حتى كانت الاهرام مثلا ميالة الى فرنسا و المقطم الى انجلترا ,وكان للدولة العثمانية صحف مثل : القاهرة والفلاح .
·        الاكثار من الصحف غير السياسية لصرف انظار الناس عن الاهتمام بالسياسة
·        ظهور صحف يهودية فى مصر بتشجيع الانجليز مثل نهضة اسرائيل.
ظهور صحف وطنية جديدة , فالوطنيون قاوموا ولم يستسلموا ,واصدروا عددا من الصحف الوطنية مثل المؤيد , المقياس ,الاستاذ ,العروة الوثقى

     المحاضرة التالية                السابق 

هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق

افضل 10 مواضيع